صفحة جزء
مسألة [ شرط صدق المشتق صدق المشتق منه ] شرط صدق المشتق اسما كان أو فعلا صدق المشتق منه ، فلا يصدق قائم على ذات إلا إذا صدق القيام على تلك الذات ، وسواء كان الصدق في الماضي أم في الحال أم في الاستقبال ، وأما إن ذلك هو بطريق الحقيقة أم لا ، فسيأتي .

والكلام في هذه المسألة مع أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم ، وهما لم يصرحا بالمخالفة في ذلك ، ولكن وقع ذلك منهما ضمنا حيث ذهبا إلى القول بعالمية الله دون علمه . أي ذهبا إلى أن العالم وغيره من الصفات أسماء مشتقة [ ص: 336 ] من العلم ونحوه ، ثم إنهما يطلقان على الله تعالى هذه الأسماء وينكران حصول العلم والحياة والقدرة لله تعالى ، لأن المسمى بهذه الأسماء هي المعاني التي توجب العالمية والقادرية ، وهذه المعاني غير ثابتة لله تعالى ، فلا يكون لله علم ولا قدرة ولا حياة مع أنه عالم قادر حي ، وفرارا من أن يكون الذات قابلا وفاعلا .

وأما أصحابنا فاتفقوا على أنه تعالى عالم بالعلم قادر بالقدرة حي بالحياة .

[ هل العلم نفس العالمية ]

واختلفوا بعد ذلك هل العلم نفس العالمية أو القدرة نفس القادرية أو هي زائدة عليها ؟ والأول : قول الشيخ أبي الحسن وأتباعه ، والثاني : قول القاضي أبي بكر ، وأما المعتزلة فقالوا : عالم بالذات لا بالعلم ، قادر بالذات لا بالقدرة وهكذا فقد جوزوا صدق المشتق الذي هو العالم بدون صدق المشتق منه .

واعلم أنهما يعللان العالمية بالعلم مطلقا ، كما صرحوا به في كتبهم الأصولية ، ويقولان : إن العلم في الله غير ذاته ، فهما لا يسلبان عنه إلا العلم الزائد على ذاته لا العلم مطلقا ، وحينئذ فتخصيص عالميتنا بالعلم ، كما قاله البيضاوي ، أو إثبات عالمية الله تعالى مع سلب العلم عنه كما قاله في المحصول وغيره أيضا باطل ، لأنهما لا يقولان بسلب عليتها عنه بل [ ص: 337 ] يقولان : إن علية العالمية هي العلم ، وهي غير ذات الله تعالى .

هذا أصل الخلاف ، ومنه أخذ هذه المسألة الأصولية ، ولا ينبغي لجواز أن يكون هذا القائل يقول : مقتضى اللغة ما ذكرتم ، ولكن الدليل العقلي منع هنا ، فاستثني ذلك من المشتقات لوجود المانع الخاص ، وحينئذ فلا يصح تعميم المشتقات بذلك ، ويخرج الكلام منها عن أصول الفقه إلى علم الكلام ، ويصير الخلاف معنويا لا لفظيا لغويا .

وإن رجعنا بها إلى أصول الفقه فنقول : المشتق إما أن يغلب عليه الاسمية أو لا ، فالأول : لا يشترط في صدقه وجود المعنى وكذلك الحارث والعباس ، فإنهما يسمى بهما وليس بحارث ، ولا كثير العبوس ، ومع ذلك فقد لاحظ ذلك المعنى المطلق أو الشائع في بعض الأعيان ، ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أحسن الأسماء ويكره قبيحها .

وأما الذي لا يغلب عليه الاسمية فهو الباقي على أصل الصفة كالعالم والقائم ، ويشترط في صدقه حقيقة وجود المعنى المشتق منه ، وإطلاقه مع عدمه مجاز محض ، غير أنه قد كثر هذا المجاز في بعض الأسماء واشتهر ، وذلك كالمؤمن فإنه يطلق على الغافل والنائم والميت مع قيام موانع الإيمان استصحابا للمعنى السابق والحكم اللاحق ، فدل على أنه مجاز هنا ، وإن كثر استعماله حقيقة في أصله وإن قل استعماله ، وبهذا يرتفع خلاف أبي هاشم في هذا فإنه يقول : إن وجود المعنى المشتق منه ليس شرطا في صدق الاسم المشتق ، فإن أراد أنه ليس شرطا في أصل الوضع فليس بصحيح ، لأنه يلزم منه عدم الفرق بين المشتق وغيره ، وإن أراد الاستعمال العرفي فهو صحيح على ما بيناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية