صفحة جزء
وفيه مسائل : [ المسألة ] الأولى في وقوعه مذاهب :

أحدها : أنه واقع مطلقا ، وهو الصحيح من لغة واحدة ومن لغتين وبحسب الشرع ، كالفرض والواجب عندنا ، وبحسب العرف . [ ص: 356 ]

الثاني : المنع مطلقا ، لأن وضع اللفظين لمعنى واحد عي يجل الواضع عنه ، وكل ما ادعي فيه الترادف ، فإن بين معنيهما تواصلا لأنهم يعتبرون الاشتقاق الأكبر ، واختاره أبو الحسين بن فارس في كتابه " فقه اللغة " وحكاه عن شيخه ثعلب ، وقال ابن سيده في " المخصص " : كان محمد بن السري يعني ابن السراج يحكي عن أحمد بن يحيى ثعلب منعه ، ولا يخلو إما أن يكون منعه سماعا أو قياسا ، لا يجوز أن يكون سماعا فإن كتب العلماء باللغة ونقلها طافحة به في تصنيفه كتاب " الألفاظ " .

فإن قال : في كل لفظة معنى ليس في الأخرى كما في مضى وذهب ، قيل : نحن نوجد له ما لا تجد بدا من أن تقول : إنه لا زيادة معنى في واحدة منها دون الأخرى وذلك نحو الكتابات .

ألا ترى أن قولك : ضربك وما ضرب إلا إياك ، وجئتني وما جاءني إلا أنت . ونحوه يفهم من كل لفظة ما يفهم من الأخرى من الغيبة والخطاب والإضمار والموضع من الإعراب لا زيادة في ذلك ، فإذا جاز في شيء وشيئين وثلاثة جاز فيما زاد على ذلك .

وصنف الزجاج كتابا ذكر فيه الترادف وكتابا ذكر فيه اشتقاق الأسماء ، وصنف أبو هلال العسكري مصنفا آخر منع فيه الترادف وسماه " الفروق " . قال : وإليه ذهب المحققون من العلماء ، وإليه أشار المبرد في قوله تعالى : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } [ ص: 357 ]

قال : فعطف منهاجا على شرعة لأن الشرعة لأول الشيء والمنهاج لعظيمه ومتسعه ، واستشهد بقولهم : شرع فلان في كذا إذا ابتدأه ، وأنهج البلاء في الثوب إذا اتسع فيه . قال أبو هلال : وقال بعض النحويين : لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على المعنيين المختلفين حتى تضامه علامة لكل واحد منهما ، وإلا أشكل ، فالتبس على المخاطب ، فكما لا يجوز أن يدل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين لا يجوز أن يكون اللفظان يدلان على معنى واحد ، لأن فيه تكثيرا للغة بما لا فائدة فيه .

وقال المحققون من أهل العربية : لا يجوز أن تختلف الحركات في الكلمتين ومعناهما واحد . قالوا : فإذا كان الرجل عنده الشيء قيل فيه : " مفعل " كمرحم ومحرب ، وإذا كان قويا على الفعل قيل : " فعول " كصبور وشكور ، فإذا تكرر منه الفعل قيل : " فعال " كعلام وجبار ، وإذا كان عادة له قيل : " مفعال " كمعوان ومعطاف ، ومن لا يحقق المعاني يظن أنها مترادفة ، ولهذا قال المحققون : إن حروف الجر لا تتعاقب ، حتى قال ابن درستويه : في جواز تعاقبها إبطال حقيقة اللغة وإفساد الحكم فيها ، لأنها إذا تعاقبت خرجت عن حقائقها ، ووقع كل واحد منها بمعنى الآخر ، فأوجب أن يكون لفظان مختلفان بمعنى واحد ، والمحققون يأبونه . هذا كلامه .

وممن اختار ذلك من المتأخرين الجويني في " الينابيع " ، وقال : أكثر ما يظن أنه من المترادف ليس كذلك ، بل اللفظان موضوعان لمعنيين مختلفين ، لكن وجه الخلاف خفي .

والثالث : يقع في اللغة لا في الأسماء الشرعية ، وإليه ذهب في [ ص: 358 ] المحصول " فقال في آخر مسألة الحقيقة الشرعية بعدما ذكر وقوع الأسماء المشتركة : وأما الترادف فالأظهر أنه لم يوجد ، لأنه يثبت على خلاف الأصل فيقدر بقدر الحاجة . ا هـ .

هذا والإمام نفسه ممن يقول بأن الفرض والواجب مترادفان ، والسنة والتطوع ، ثم الخلاف في اللغة الواحدة . أما اللغتان فلا ينكرهما أحد ، قاله الأصفهاني .

قلت : ونص عليه العسكري ، وهو ممن ينكر أصل الترادف ، فقال : لا يجوز أن يكون " فعل " و " أفعل " بمعنى واحد ، كما لا يكونان على بناء واحد ، إلا أن يجيء ذلك في لغتين ، وأما في لغة فمحال ، فقولك : سقيت الرجل يفيد أنك أعطيته ما يشربه أو صببته في حلقه ، وأسقيته يفيد أنك جعلت له سقيا أو حظا من الماء وقولك : شرقت الشمس يفيد خلاف غربت ، وأشرقت يفيد أنها صارت ذات إشراق . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية