صفحة جزء
مسألة [ في حكمه بالنسبة إلى معنييه أو معانيه ]

اعلم أن معاني المشترك إما أن يمتنع الجمع بينهما كالضدين والنقيضين إذا فرعنا على جواز الوضع لهما ، وهو الصحيح فلا يحمل على معنييه قطعا ، وكذا الاستعمال فيهما بلا خلاف كذا قالوا ، لكن حكى صاحب " الكبريت الأحمر " عن أبي الحسن الأشعري أنه يجوز أن يراد به معنياه ، وإن كان بينهما منافاة وهو غريب .

مثال النقيضين : لفظة " إلى " على رأي من يزعم أنها مشتركة بين إدخال الغاية وعدمه .

ومثال الضدين : صيغة " افعل " عند من يجعلها حقيقة في الطلب وفي التهديد ، فإنها مشتركة بين معنيين متضادين لا يمكن الجمع بينهما ولا الحمل عليهما ، ولهذا لو قال : أنت علي حرام ونوى الطلاق والظهار لم يثبتا ، لأنهما وإن اشتركا في التحريم لكن بينهما منافاة ، لأن الطلاق يفك قيد الزوجية بخلاف الظهار . [ ص: 385 ]

قال الأستاذ أبو منصور وابن القشيري وحينئذ يصير مجملا فيطلب البيان من غيره . قال الأستاذ : وكذلك في الحقيقة والمجاز والكناية والصريح ، لكن هاهنا الحقيقة أولى من المجاز ، والصريح أولى من الكناية ، قال : ولولا الإجماع على أن المراد بآية القرء في العدة أحد الجنسين من طهر أو حيض لحملناها عليهما لوقوع اسم القرء عليهما ، لكن لما أجمعوا على أن المراد به أحدهما توقف في الدليل لكاشف عن المراد .

وما حكيناه عن الإجماع عن المنع في هذه الحالة حكاه غير واحد ، منهم الأستاذ .

وأغرب صاحب " الكبريت الأحمر " فقال : وقال أبو الحسن الأشعري : يجوز ذلك وإن كان بينهما منافاة ، وأما إذا أمكن الجمع بينهما ، فإن تكلم به مرات جاز أن يستعمل في كل مرة غير ما استعمله في الأخرى ، وإنما الخلاف فيما إذا تكلم به مرة واحدة .

ثم الكلام فيه في مواطن ثلاثة : استعمال اللفظ في حقيقته ، وفي حقيقته ومجازه ، وفي مجازيه .

فأما الأول : فله مقامان :

أحدهما : هل يجوز أن يراد به جميع المتناولات ؟ فيه مذاهب :

أحدها : الجواز ونسب للشافعي ، وقطع به ابن أبي هريرة في تعليقه " ، ومثله بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون } فالاسم واحد ، واختلف المراد به فكانت الصلاة من الله رحمة ، ومن المؤمنين دعاء ، ومن الملائكة استغفارا ، وكذلك : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم } فكانت شهادته علمه وشهادة الملائكة إقرارهم بذلك ، وقوله : { لا تقربوا الصلاة } يعني وضعها للجنس ، وموضعها وفعلها [ ص: 386 ] للسكران ، وهو الذي نص عليه القاضي في " التقريب " قال : ولا يحتاج إلى تكرارها والتكلم بها في وقتين لعلم كل عاقل أنه يصح قصده من نفسه بقول : لا تنكح ما نكح أبوك إلى نهيه عن العقد ، وعن الوطء جميعا ، ونقله إمام الحرمين في " التلخيص " عن مذاهب المحققين وجماهير الفقهاء .

قال ابن القشيري في أصوله " : قال القاضي وهو الاختيار عندنا - أنه يجوز إذا دلت عليه القرينة ، فلا يمتنع أن تقول : العين مخلوقة ونعني جميع محاملها ، وحكاه صاحب " المعتمد " " والقواطع " عن أبي علي الجبائي والقاضي عبد الجبار .

وقال صاحب " الكبريت الأحمر " : إنه مذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة وحكاه أبو سفيان في " العيون " عن أبي يوسف ومحمد . وحملوا من حلف لا يشرب من الإناء ، على الكرع والشرب من الإناء ، وحمله أبو حنيفة على الكرع ، ونسبه القاضي عبد الوهاب لمذهبهم . قال : وهو قول جمهور أهل العلم ، وقد قال سيبويه : يجوز أن يراد باللفظ الواحد الدعاء على الغير والخبر على حال المدعو عليه نحو : " الويل له " فهذا دعاء عليه وخبر عنه ولهما معنيان مختلفان .

ثم اختلف المجوزون في موضعين :

أحدهما : أن استعماله في الجميع هل هو بطريق الحقيقة أو المجاز ؟ قال الأصفهاني : واللائق بمذهب الشافعي جواز استعماله بطريق الحقيقة ، لأنه يوجب حمله على الجميع ، ونقله الآمدي عن الشافعي والقاضي كسائر الألفاظ العامة في صيغ العموم ، ولهذا حملت على [ ص: 387 ] التجرد على الجميع . ونقل صاحب " التلخيص " عن الشافعي أنه بطريق المجاز ، وهو ميل إمام الحرمين ، واختاره ابن الحاجب .

الثاني : اختلفوا في أنه إذا أراد المعنيين ، هل يتعلق بهما إرادة واحدة أم إرادتان ؟ وقال الإمام في " التلخيص " وابن القشيري : والأصح : أن الإرادة الواحدة لا تتعلق إلا بمراد واحد ، فلا يتحقق إرادة المرادين إلا بإرادتين .

وفصل القاضي في " التقريب " فقال : إن كان المتكلم بها هو الله عز وجل ، فإنما يريدها وجميع أراد به بإرادة واحدة ، وإن كان المتكلم محدثا فإنما يريدهما جميعا بإرادتين غير متضادتين ، ولو كان يريدهما بإرادة واحدة لاستحال أن يراد أحدهما دون الآخر .

وشرط أبو الحسن بن الصائغ النحوي في " شرح الجمل " كون المشترك يدل على معنى يعم مدلوليه ، وهو الصريح في الاشتراك ، كاللمس الذي يراد به المس مطلقا والوقاع . قال : فإن لم يدل فينبغي امتناعه بلا خلاف كما لو قلت : رأيت زيدا أو عمرا أخاك ، وأردت برأيت زيدا أبصرته ، وبه مع ما بعده علمت ، أو رأيت زيدا والطائر . تريد في الطائر ضربت رئته ، وفي زيد الإبصار ، فينبغي أن يجوز هذا باتفاق لعدم الصراحة .

المذهب الثاني : المنع : ونصره ابن الصباغ في " العدة " وإليه ذهب أبو هاشم والكرخي وأبو عبد الله البصري وفخر الدين وغيرهم . [ ص: 388 ]

قال الأستاذ : وحكاه الكرخي عن أبي حنيفة .

وقال أبو بكر الرازي : كان الكرخي يحكيه عن أبي حنيفة ، وأن أبا يوسف جوزه .

وقال القاضي في " التقريب " زعم ابن الجبائي ، ووافقه جماعة من أصحاب أبي حنيفة أنه غير جائز ، وأنه متى أريد بها معنيان مختلفان فلا بد من تكرارها والتكلم بها في وقتين يراد بها في أحدهما أحد المعنيين ، وفي الآخر المعنى الآخر . ا هـ .

ومراده بابن الجبائي أبو هاشم كما قاله القاضي عبد الوهاب .

قال صاحب " المعتمد " : وشرط أبو عبد الله في المنع شروطا أربعة : اتحاد المتكلم ، والعبارة ، والوقت ، وأن يكون المعنيان مختلفين ، لا ينتظمهما فائدة واحدة ، فمتى انخرم شرط جاز أن يرادا .

وما حكيناه عن أبي هاشم صرح به أبو الحسين في " المعتمد " عنه ، لكن أفاد صاحب " الكبريت الأحمر " أن له في المسألة قولين وأنه ذهب في كتاب " البغداديات " إلى الجواز إذا لم يكن بينهما منافاة . وفي غيره إلى المنع مطلقا .

ثم اختلف المانعون في سبب المنع ، فقيل : أمر يرجع إلى القصد ، أي : لا يصح أن يقصد باللفظ المشترك جميع مفهوماته من حيث اللغة لا حقيقة ولا مجازا ، ولكنه يمكن أن يقصد باللفظ الدلالة على المعنيين جميعا بالمرة الواحدة ويكون خالف الوضع اللغوي وابتدأ بوضع جديد ، ولكل أحد أن يطلق لفظا ، ويريد به ما شاء .

وهذا ما ذهب إليه الغزالي وأبو الحسين البصري وهو ضعيف ، إذ لا استحالة في ذلك . [ ص: 389 ]

وقيل : سببه الوضع الحقيقي : أي : أن الواضع لم يضع اللفظ المشترك لهما على الجميع بل على البدل ، فلا يصحح إطلاقه بطرق الحقيقة على الجميع ، ولا يلزم من وضع اللفظ لمعنيين على البدل أن يكون موضوعا لهما على الجميع .

والمشترك إنما وضع لكل منهما على البدل ، فاستعماله في الجميع استعمال اللفظ في غير موضوعه ، ولكن يجوز أن يراد جميع محامله على جهة المجاز إذا اتصل بقرينة مشعرة بذلك .

وهذا ما اختاره ابن الحاجب والسهروردي في " التنقيحات " وفخر الدين الرازي وغيرهم ، وكلام إمام الحرمين ، محتمل لهما .

و [ المذهب ] الثالث : لا يستعمل في الجميع إذا تجرد عنه القرائن ، ويجوز مع القرينة " المتصلة " وهو ظاهر كلام إمام الحرمين في " البرهان " .

و [ المذهب ] الرابع : الفرق بين النفي والإثبات : والفرق : أن النكرة في سياق النفي تعم ، فيجوز إرادة مدلولاته المختلفة ، ورد بأن النفي لا يرفع إلا ما يقتضي الإثبات ، وهذا القول حكاه ابن الحاجب ، وإنما هو احتمال أنه أبداه صاحب " المعتمد " ، وتبعه في " المحصول " . وقيل : إن الماوردي حكاه وجها لأصحابنا في كتاب الأشربة وهو ظاهر كلام الحنفية ، فإنهم قالوا : إذا حلف لا يكلم موالي فلان يتناول الأعلى والأسفل وقوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم [ ص: 390 ] من النساء } يتناول الوطء والعقد ، إن قلنا : إنه مشترك .

و [ المذهب ] الخامس : يجوز في الجمع كقوله اعتدي بالأقراء دون المفرد ، لأن الجمع في حكم تعديد الأفراد ، وحكاه الماوردي عن بعض أصحابنا في كتاب الأشربة ، وهذا مفرع على جواز تثنية المشترك وجمعه .

وقد منعه أكثر النحاة وجوزه ابن الأنباري وابن مالك ، وقال ابن الحاجب : الأكثر أن جمعه باعتبار معنييه مبني على الخلاف في المفرد ، فإن جاز ساغ وإلا فلا ، وقيل : بل يجوز وإن لم يجز في المفرد ، وذكر في " شرح المفصل " أن تثنيته شاذة ، وأن الأكثر المستعمل خلافه .

[ المذهب ] السادس : أنه ينظر في المعنى ، فإن كان أحدهما يتعلق بالآخر من جهة المعنى كالنكاح ، فإنه يتناول العقد والوطء ، واللمس يتناول الوطء والمس باليد ، وكل منهما متعلق بالآخر يجوز إرادتهما والحمل عليهما ، وإن كان أحدهما غير متعلق بالآخر لم تجز إرادتهما والحمل عليهما بلفظ واحد . حكاه بعض شراح " اللمع " وهو غريب .

[ المذهب ] السابع : الوقف ، واختاره الآمدي ونبه القاضي في " التقريب " على أن محل الخلاف في إرادتهما في وقت واحد من غير تكرار ، وأنه متى أريد بهما المعنيان وكررا في وقتين أريد به في أحدهما أحد المعنيين ، وفي الآخر الأخرى فلا خلاف في الجواز .

المقام الثاني : إذا جوزنا الاستعمال فهل يجب على السامع حمله على ذلك إذا تجرد عن قرينة صارفة ؟ فيه مذاهب : [ ص: 391 ]

أحدهما : أنه يحمل على جميع المعاني ، قال ابن القشيري : وعليه يدل كلام الشافعي ، لأنه لما تمسك بقوله تعالى : { أو لامستم النساء } فقيل : أراد بالملامسة المواقعة ، فقال : أحمله على الجس باليد حقيقة وعلى الوقاع مجازا ، يعني وإذا قال ذلك في الحقيقة والمجاز ففي الحقيقتين أولى .

وقال الأستاذ أبو منصور إنه قول أكثر أصحابنا ، ولهذا حملنا آية اللمس على الجماع ، وعلى الجس باليد ، ونقله غيرهما عن الشافعي ، والقاضي صريحا .

وقال القرطبي : الحق أن في النقل عنهما في هذا خللا ، ونقله الإمام الرازي في " المناقب " عن القاضي عبد الجبار والبيضاوي في الكلام على الجمع المنكر عن الجبائي ، لأنه لو لم يجب ، فإما أن يحمل على واحد منهما ، ويلزم تعطيل النص ، ولأن العمل بالدليل واجب ما أمكن ، وليس من عادة العرب تفهيم المراد باللفظ المشترك من غير قرينة ، فيصير انتفاء القرينة المخصصة قرينة تعميم ، ولما فيه من الاحتياط

الثاني : المنع وهو قول ابن عقيل من الحنابلة .

وقال الرافعي في باب التدبير : إنه الأشبه فقال : والأشبه أن اللفظ المشترك مراد به جميع معانيه ، ولا يحمل عند الإطلاق على جميعها ، وليس كما قال ، وإنما هذا مذهب الحنفية كما قاله أبو زيد الدبوسي في " تقويم الأدلة " . قال : ولهذا قال علماؤنا : من أوصى لمواليه ، وله موال أعتقوه وموال أعتقهم أن الوصية باطلة ، لأن معنى الولاءين مختلف ، فيراد بالوصية للأعلى الجزاء ، وللأسفل زيادة الإنعام ، وإذا قال لامرأة : إن نكحتك فأنت طالق ، لم ينصرف إلى العقد والوطء جميعا ، لأنهما مختلفان . ا هـ . [ ص: 392 ] وبه قال الإمام فخر الدين تفريعا على القول بجواز الاستعمال .

والثالث : التوقف لا يحمل على شيء إلا بدليل ويصير مجملا . وبه قال القاضي كما سنذكره .

قال القاضي أبو منصور : وهو قول الواقفية في صيغ العموم . ا هـ .

واختاره ابن القشيري في أصوله " و " تفسيره " : لأنه ليس موضوعا للجميع ، بل لآحاد مسميات على البدل ، وادعاء إشعارها بالجميع بعيد .

قال نعم ، يجوز أن يريد المتكلم به جميع المحامل ، ولا يستحيل ذلك في العقل ، وفي مثل هذا فقال : يحتمل أن يكون المراد كذا ، يحتمل أن يكون كذا . ا هـ .

والرابع : إن كان بلفظ المفرد فهو مجمل ، أو بلفظ الجمع وجب به الحمل ، وهو قول القاضي عن الحنابلة في " الكفاية " . هذا كله حيث لا قرينة تعين مراد اللافظ ، فإن وجدت قرينة بواحد منها نظر : فإن كان بين تلك المعاني منافاة بقي اللفظ مجملا إلى المرجح ، وإن كانت معانيه متساوية ، فالمشهور أنه يجب حمل اللفظ عليها ، وإن قلنا : لا يحمل عند عدم القرينة وحكي في " المحصول " عن بعضهم : أنه يتعارض الدليل المانع من حمل المشترك على جميع معانيه ، والقرينة الموجبة تحمله عليها ، فيعتبر بينهما الترجيحات ، قال : وهذا خطأ ، لإمكان الجمع بأن يقال : المتكلم تكلم به مرات ، وأراد بكم مرة معنى من معانيه ، والدليل المانع لا ينفي ذلك .

وقال بعض شراح " اللمع " : إن دل الدليل على أحدهما حمل عليه قطعا ، وإن دل على أن المراد أحدهما ، ولم يعين وجب الوقف حتى يعلم ذلك الواحد بعينه قطعا ، وإن لم يعلم المراد به فهو موضع الخلاف . [ ص: 393 ]

تنبيهات

التنبيه الأول

في تحرير النقل عن الشافعي والقاضي في هذه المسألة :

أما الشافعي فقد اشتهر عنه في كتب المتأخرين القول الأول ، وقد أنكر ذلك أبو العباس بن تيمية ، وقال : ليس للشافعي نص صريح فيه ، وإنما استنبطوا هذا من نصه فيما إذا أوصى لمواليه ، وله موال أعلى وأسفل أو وقف على مواليه ، فإنه يصرف للجميع ، وهذا الاستنباط لا يصح لاحتمال أنه يرى أن اسم الموالي من الأسماء المتواطئة ، وأن موضوعه للقدر المشترك بين الموليين ، ولا يلزم من هذا أن يحكى عنه قاعدة كلية في الأسماء التي لا شركة بين معانيها ، وإنما الاشتراك بينهما في مجرد اللفظ قلت : وهذا نقله ابن الرفعة في " الكفاية " عن شيخه الشريف عماد الدين وأن تناول الاسم لهما معنى واحد على جهة التواطؤ وهي الموالاة والمناصرة ، ثم نازع فيه في باب الوصية من " المطلب " بأن هذا يقتضي التصحيح وصرف الريع والوصية إليهما ، والسؤال إنما يتجه على القول بعدم الصحة . ا هـ .

ويحتمل أن يقال : إن مواليه جمع مضاف ، فالتعميم من هذه الحيثية لا من جهة الاشتراك ، لكن كلام الشافعي في مواضع يدل للقول الأول ، منها : أنه احتج في " الأم " على استحباب الكتابة فيما إذا جمع العبد بين الأمانة والقوة على الكسب بقوله تعالى : { فكاتبوهم إن علمتم فيهم [ ص: 394 ] خيرا } ففسر الخير بالأمرين . قال : وأظهر معاني الخير قوة العبد بدلالة الكتاب : الاكتساب مع الأمانة ، فأحب أن لا يمتنع من مكاتبته إذا كان هكذا . ا هـ .

ومنها : أنه نص في " الأم " في لفظة " عند " المشترك بين إفادة الحضور والملك في حديث حكيم بن حزام { لا تبع ما ليس عندك } . قال : وكان نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده يحتمل أن يبيع بحضرته ، فيراه المشتري كما يراه البائع عند تبايعهما ، ويحتمل أن يبيع ما ليس عنده ما ليس يملك تعيينه فلا يكون موضوعا مضمونا على البائع يؤخذ به ، ولا في ملكه ، فيلزمه أن يسلمه إليه لأنه يعينه ، وعنى هذين المعنيين .

ومنها : حمله اللمس في الآية كما سبق عن القشيري .

فإن قيل : فلم لم يحمل الشفق على معنييه ، بل اعتبر في آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق الأحمر ؟ قلنا : لأنه ورد في حديث آخر تعيينه بالأحمر ، فلهذا لم يقل بالاشتراك .

وأما [ النقل عن ] القاضي فأنكره ابن تيمية أيضا : قال لأن من أصله الوقف في صيغ العموم ، وأنه لا يجوز حملها على الاستغراق إلا بدليل فمن يقف في ألفاظ العموم كيف يجزم في الألفاظ المشتركة بالاستغراق بغير دليل ، وإنما الذي ذكره في كتبه إحالة الاشتراك أصلا ، وأن ما يظن من الأسماء [ ص: 395 ] المشتركة هي عنده من الأسماء المتواطئة .

قلت : وممن استشكل ذلك الإبياري وتابعه القرافي ، لكن القاضي إنما ينكر وضعها للعموم ولا ينكر استعمالها وكلامنا في الاستعمال ، ويحتمل أنه فرعه على القول بصيغ العموم ، على أن الذي رأيته في " التقريب " للقاضي بعد أن قرر صحة إرادة المعنيين من المتكلم . قال : فإن قيل : هل يصح أن يراد المعنيان ، أي يحمل عليهما بالظاهر أم بدليل يقترن بهما ؟ قيل : بل بدليل يقترن بهما لموضع احتمالهما للقصد تارة إليهما وتارة إلى أحدهما ، وكذلك سبيل كل محتمل من القول ، وليس بموضوع في الأصل لأحد محتمليه . ا هـ .

وزاد عند إمام الحرمين في " تلخيص التقريب " فإنا نقول : إذا احتمل إرادة المعنيين واحتمل تخصيص اللفظ بأحدهما فيتوقف في معنى اللفظ على قرينة تدل على الجمع والتخصيص ، وكيف لا نقول ذلك ونحن على نصرة نفي صيغة العموم ؟ انتهى . فظهر أن الصواب في النقل عن القاضي : المذهب الثالث وهو التوقف .

التالي السابق


الخدمات العلمية