صفحة جزء
التنبيه الثالث

جعل النقشواني في " التلخيص " محل الخلاف في المذكور بلفظ الجمع المعرف .

قال : فأما المفرد المنكر إذا لم يكرر فلا يجوز استعماله فيهما سواء كان مثبتا أو منفيا ، لأن التنكير يقتضي التوحيد ، فإن تكرر بقوله : اعتدي قرءا وقرءا فقد جوز استعماله فيهما حقيقة ، وإن كان مفردا معرفا " بأل " مكررا فكذلك ، وإن لم يتكرر وكانت هناك قرينة تدل على أحدهما بخصوص وجب الحمل عليه ، وإن لم توجد القرينة إلى وقت الحاجة فهو موضع الخلاف ، الشافعي يوجب الحمل على المعنيين جميعا في هذا الوقت .

قال الأصفهاني : وجعله موضع الخلاف عند الحاجة إلى العمل ممنوع بل نقول : جواز الخطاب باللفظ المشترك عند الحاجة إلى العمل بمقتضاه ينبني على أن اللفظ المشترك هل يحمل عند الإطلاق على جميع معانيه أم لا ؟ فإن قلنا بالحمل فلا حاجة إلى البيان ، وإن قلنا بالمنع فلا يجوز وروده عند الحاجة من غير بيان . [ ص: 397 ]

التنبيه الرابع .

إذا قلنا بالحمل فهل هو من باب العموم أو الاحتياط ؟ فيه طريقتان :

إحداهما : وعليها إمام الحرمين وابن القشيري والغزالي والآمدي وابن الحاجب أنه كالعام ، وأن نسبة المشترك إلى جميع معانيه كنسبة العام إلى أفراده ، والعام إذا تجرد عن القرائن وجب حمله على الجميع بطريق الحقيقة فكذا المشترك ، وضعفه النقشواني ، لأنه يصير اللفظ حينئذ متواطئا لا مشتركا .

قال : ولا يبعد أن الأئمة لم يريدوا العموم ، وأن هذه الزيادة من جهة الناقل عنهم لما رأى في كتبهم حمل المشترك على معنييه ظن أنهم ألحقوه بالعام بالنسبة إلى أفراده ، وليس كذلك .

ونازعه الأصفهاني لما فيه من توهيم الأئمة .

قال : وما استبعد النقل ضعيف ، فإن مرادهم أن المشترك كالعام في معنى استغراقه لمدلولاته ووجوب الحمل على جميع معانيه المختلفة عند التجرد عن القرائن ، فهو كالعام من هذا الوجه ، لأن الأفراد الداخلة تحت المشترك مثل الأفراد الداخلة تحت العام حتى يلزم التواطؤ .

والطريقة الثانية : وعليها الإمام الرازي أنه من باب الاحتياط .

وتقديرها أن للسامع أحوالا ثلاثة : إما أن يتوقف فيلزم التعطيل لا سيما عند وقت الحاجة ، أو يحمل أحدهما فيلزم الترجيح بلا مرجح ، لم يبق إلا [ ص: 398 ] الحمل على المجموع ، وهو أحوط لاشتماله على مدلولات اللفظ بأسرها ، ولأن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ، فإذا جاء وقت العمل بالخطاب ولم يتبين أن المقصود أحدهما علم أن المراد المجموع ، وعلى هذه الطريقة جرى الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فقال : إن لم يقم دليل على تعيين أحد المعنيين للإرادة حملناه على كل منهما ، لا لأنه مقتضى اللفظ وضعا ، بل لأن اللفظ دل على أحدهما ولم يتعين ، ولا يخرج عن عهدته إلا بالجميع .

قال : ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحكم وجوبا أو كراهة ، ولو لم يقم دليل على تعيين القرء للطهر عند من يراه ، ولا على تعيينه للحيض عند من يراه لوجب أن تتربص المرأة منهما جميعا ، لأنه يتبين تعليق الوجوب بالقرء ، وإنما المبهم تعين المراد منهما ، ولا يخرج عن عهدة وجوب التربص والحل للأزواج إلا بذلك ، وكذلك أقول : إن صح أن الشفق مشترك بين الحمرة والبياض ، ولم يقم دليل على تعيين أحدهما للإرادة وجب أن لا تصح صلاة العشاء إلا بعد غيبوبة آخرهما وهو البياض ، ومن رجح الحمل على أحدهما فلا بد له من دليل يدل على تعينه للإرادة بخصوصه .

فإن قلت : قد ذكر أنه يعمل على تقدير الاشتراك بالأمرين مع أن عدم تعين المراد يوجب الإجمال ، والإجمال يوجب التوقف ، وذلك خلاف ما قلت

قلت : هذا صحيح إذا لم يكن تعلق المبين من وجه كما لو قال : ائتني بعين ، وأما إذا كان مبينا من وجه كالنهي عن القزع مثلا ، وكان الامتثال ممكنا فإنه يتعين الخروج عن العهدة في التكليف المبين ، وذلك ممكن بالعمل في الأمرين ، وصار هذا كقول بعض الشافعية في الخنثى المشكل أنه يختن في فرجيه معا .

والختان إنما هو في فرج ، فأحد الفرجين ختنه ، والآخر ختنه ولما [ ص: 399 ] كان وجوب الختان أمرا مبينا لا إجمال فيه والخروج عن العهدة ممكن بالختان فيهما أوجبوه .

قلت : ولا ينبغي أن يفهم من الطريق الأولى أنه كالعام حقيقة ، كيف وأفراده محصورة ؟ وقد حملوه على مفهومية حالة الإفراد من غير تعريف ولا إضافة ، بل أجروه في الأفعال حيث مثلوا بقوله تعالى : { إن الله وملائكته يصلون } وقوله : { أو لامستم النساء } ومعلوم الفعل لا عموم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية