صفحة جزء
مسألة المعرب واقع في السنة أيضا ، ومنهم من نصب الخلاف فيه

[ ص: 35 ] كابن القشيري وغيره ، وقد بوب البخاري في صحيحه " باب من تكلم بالفارسية والرطانة ، وأسند فيه عن { أم خالد : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي ، وعلي قميص أصفر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سنه سنه } . قال ابن المبارك : هي بالحبشية حسنة ، وفي الصحيح أيضا { ويكثر الهرج قيل : وما الهرج ؟ قال : القتل } . قال أبو موسى الأشعري : هي لغة الحبشة .

فروع على جواز النقل : الأول : النقل خلاف الأصل بمعنى أنه إذا دار اللفظ بين احتمال النقل وبقائه على الحقيقة اللغوية كان حمله على الحقيقة اللغوية أولى ، لأنه مختلف فيه والحقيقة اللغوية متفق عليها فيكون الأخذ بها أولى . الثاني : قد سبق انقسام الحقائق اللغوية المتباينة والمتواطئة [ ص: 36 ] والمترادفة والمشتركة والمشككة فهل هذه الأقسام في المنقولات الشرعية أم لا ؟ فنقول : أما المتباينة فلا شك فيها كالصلاة والصوم ، وكذلك المتواطئة كالصلاة بالنسبة إلى المفروضة والنافلة وصلاة القائم والقاعد ، والصوم بالنسبة إلى الفرض والنقل . وزعم الإمام الرازي والبيضاوي أن إطلاق الصلاة بالنسبة إلى المعنى المذكور ، وبالنسبة إلى الصلاة الأخرى وصلاة الجنازة والمومئ بالظهر ونحوه بالاشتراك اللفظي ; لأنه ليس بينهما أمر مشترك يمكن جعله مدلول اللفظ . قال الصفي الهندي : وهو ضعيف ، فإن كون الفعل واقعا بالتحرم والتحلل قدر مشترك بين تلك الصلوات فلم لا يجوز أن يكون مدلولها ؟ والأقرب أنها متواطئة بالنسبة إلى الكل ; إذ التواطؤ خير من الاشتراك . وذكر صاحب " التحصيل " نحوه . وأما المشتركة فالأشبه وقوعها أيضا فإن إطلاق الطهور على الماء والتراب وعلى ما يدفع به ليس اشتراكا معنويا ; إذ ليس بينهما معنى مشترك يصلح أن يكون مدلول اللفظ ، كذا قال الهندي ، وهو معترض بمثل ما اعترض به على الإمام في الصلاة .

[ ص: 37 ] وأما المشككة : فالأظهر أنها واقعة أيضا ، وهي كالفاسق بالنسبة إلى من فعل الكبيرة الواحدة ، وبالنسبة إلى فعل الكبائر المتعددة ، فإن تناوله للثاني بطريق الأولى . وأما المترادف : فالأظهر وقوعه أيضا خلافا للرازي كالفرض والواجب عندنا والتزويج والإنكاح والمستحب والمندوب ، هذا كله نقل في الأسماء ، وهي أيضا على قسمين : أحدهما : ما وضعه بإزاء الماهيات الجعلية كالصلاة وأمثالها . والثاني : الأسماء المتصلة بالأفعال وهي ثمانية : المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل وأسماء الزمان والمكان . فاسم الفاعل كقوله : أنت طالق . واسم المفعول يستعمل في الطلاق والعتاق والوكالة ويقرب منه : أنت حرام ، وأنت حر ، وأنت علي كظهر أمي ، وأما المصدر فقد استعمل في الطلاق في قوله : أنت الطلاق وهل هو صريح أو كناية ؟ فيه خلاف ولا يبعد جريان مثله في العتق ، وفي الضمان ذكروا في صيغة : أنا ضامن وكفيل وقبيل ، وفي قبيل وجه . قال الرافعي : يطرد في الحميل . وأما الحروف فلم ينقل منها شيء ، كذا قاله الإمام والبيضاوي وغيرهما . [ ص: 38 ] والحق : أنه كالأفعال في ذلك ، فإن نقل متعلق معاني الحروف من المعاني اللغوية إلى الشرعية مستلزم لنقلها أيضا ، وفي " نعم " بحث مبني على قاعدة أن السؤال هل هو كالمعاد في الجواب ؟ وأما الأفعال فلم يوجد بطريق الأصالة ، ويوجد بطريق التبعية لمصادرها ، فإن كان المصدر شرعيا كالصلاة والزكاة كان الفعل الدال عليه شرعا كصلى وزكى ، وإن كان لغويا كان الفعل أيضا لغويا كأكثر الأفعال .

التالي السابق


الخدمات العلمية