صفحة جزء
[ ص: 67 ] فصل في سرد أنواع العلاقة النوع الأول : السببية : وهي إطلاق اسم السبب على المسبب ، وإن شئت ، فقل : إطلاق العلة على المعلول ، وسواء كانت العلة فاعلية أو قابلية أو صورية أو . غائية .

مثال الأول : قولهم : نزل السحاب أي المطر ، فإن السحاب في العرف سبب فاعلي في المطر كما يقال : النار تحرق الثوب ، ومنه إطلاق اسم النظر على الرؤية كقوله تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } أي له رائية ، ونحو نظرت إلى فلان أي رأيته ; لأن النظر فعل الفاعل ، وهو سبب الرؤية . ومثال الثاني : قولهم : سال الوادي ، فإن السائل هو الماء ، والوادي سبب قابل لسيل الماء فيه هكذا مثله في " المحصول " ، وفيه نظر ، فإن الوادي ليس جزءا للماء فلا يكون سببا قابلا له ، بل هو من قبيل إطلاق اسم المحل على الحال . ومثال الثالث : إطلاق اليد على القدرة ، كقوله تعالى : { يد الله فوق [ ص: 68 ] أيديهم } واليد صورة خاصة يتأتى بها الإقدار على الشيء ، فشكلها مع الإقدار كشكل السرير مع الاضطجاع ، وهو سبب صوري ، فتكون اليد كذلك ، فإطلاقها على القدرة إطلاق لاسم السبب الصوري على السبب .

ووجه كون صورة اليد سببا للقدرة أنها لو خلقت على غير هذه الصورة المختصة بها لنقص فعلها وبطل ، فبتلك الصورة تتم قدرة اليد على ما هو المطلوب منها ، فإن قيل : إذا كان المراد القدرة ، فلم ثنيت وجمعت ، والقدرة واحدة ؟ . وأجيب : بأنها جمعت باعتبار متعلقاتها ، فاستقر لها ما صدر عنها من الآثار العديدة . ويثبت باعتبار أن آثارها قسمان : إما ; لأنها لا تنحصر في الدنيا والآخرة ، أو لأن آثارها الجواهر والأعراض أو الخير والشر ، وقد انعكس هذا المثال على الإمام فخر الدين وأتباعه ، وقالوا : كتسمية اليد قدرة . قال القرافي : صوابه كتسمية القدرة باليد ، فإن اليد سبب القدرة ، وفيما قاله نظر ; لأن القدرة هي سبب اليد ; إذ لا توضع إلا بها ، فإن من الواضح أن المعنى باليد هنا إنما هو المعنى المسوغ للتصرف لا الجارحة . واعترض الأصفهاني أيضا بأن القدرة ليست صورة اليد ، بل لازمة لصورة اليد ، وجوابه : أنها صورة معنوية . ومثال الرابع : تسمية العصير خمرا ، ومنه قوله تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا } وقوله : رعينا الغيث أي النبات الذي سببه الغيث ، قال الشاعر :

إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا



[ ص: 69 ] وهو المطر ; لأنه سبب غائي للمطر ، وقوله عليه الصلاة والسلام : { اقرءوا على موتاكم يس } أي من احتضر ، وقوله { من قتل قتيلا فله سلبه } . وجعل منه الشيخ عز الدين تسمية الفجر خيطا في قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } قال : لأنه يمتد من الجنوب إلى الشمال كامتداد الخيط على الأفق أحد طرفيه في الجنوب والآخر في الشمال ، وتشبيه سوداء الفجر الأول بخيط طرفه في الأفق ، وأعلاه مصعد في السماء ووصفه بالسواد ; لأنه يضمحل ، فيصير مكانه سواد الليل فوصف بما يئول إليه كقوله : { إنا نبشرك بغلام عليم } وهو معنى ما ذكره أبو عبيد ، وهو من أحسن ما قيل ; إذ لا يصح تشبيه الليل المطبق للآفاق بالخيط ، ولا يصح تشبيه طرفه الملتصق ببياض الفجر ببياض الخيط ; لأنه لا تشبيه بخلاف الفجر الثاني . واعلم أن العلة الغائية أقوى من الجميع ; لأنها حال كونها ذهنية علة العلل ، وحال كونها خارجية معلولها فقد حصل لها العلاقتان .

التالي السابق


الخدمات العلمية