صفحة جزء
إذا : ظرف لما يستقبل غالبا نحو قمت إذا قام زيد . قال ابن خروف : وزعم أبو المعالي أنها تكون للماضي ك " إذ " وخالف الجماعة . وهذا منه عجيب فقد ذهب جماعة من النحويين إلى ذلك وجعلوا منه قوله تعالى : { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه } { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } . وقوله :

وندمان يزيد الكأس طيبا سقيت إذا تغورت النجوم

بل صار جماعة إلى مجيئها للحال بعد القسم نحو { والليل إذا يغشى } فإذا هنا مجردة عن الشرط ; لأن الجواب في الشرط لا بد [ ص: 213 ] من ذكره أو من شيء متقدم يدل عليه ، فلو دل عليه المتقدم لصار المعنى إذا يغشى الليل اقسم ، وكان القسم معلقا على شرط وهو ظاهر الفساد ، لكن الأقوى أنها بدل من الليل أي : وقت غشيانه وما منعوا به تعليق القسم بغشيان الليل ، وتقييده بذلك الوقت هو بعينه يقتضي منع كونه حالا من الليل ; لأنه أيضا يفيد تقييد القسم بذلك الوقت .

وعلى هذا بني أصحابنا ما لو قال : إذا لم أطلقك فأنت طالق ، فمضى زمن فلم يطلق وقع ، وبنوه على أن " إذا " للوقت وأنها تنفك عن الشرط . واحتج الحنفية على أنها للوقت بقوله تعالى { إذا الشمس كورت } قالوا : ولهذا دخلت على الاسم ، وهذا ضعيف بل هي في الآية للشرط ، ولهذا أتى فيها بالجواب وهو قوله { علمت نفس } والشمس مرفوعة بالفاعلية ورافعها تفسيره فعل مضمر يفسره " كورت " ; لأن " إذا " تطلب الفعل لما فيها من معنى الشرط . وقال شمس الأئمة السرخسي في أصوله " " إذا " عند نحاة الكوفة تستعمل للوقت تارة وللشرط أخرى فتجازي إن أريد بها الشرط ، ولا يجازى بها إن أريد بها الوقت ، وهو قول أبي حنيفة ، وعند نحاة البصرة للوقت ، فإن استعملت للشرط لا تخلو عن الوقت . وقال البزدوي : عند نحاة الكوفة تستعمل للوقت والشرط على السواء فيجازى بها على اعتبار سقوط الوقت عنها كأنها حرف شرط ، وهو قول أبي حنيفة كما قال سيبويه في " إذ " ما يجازى بها فتكون حرفا . وقال السرخسي : وتصير مثل " إن " .

[ ص: 214 ] وقال ابن عمرون في شرح المفصل " : إذا دخلتها " ما " يجازى بها في الأخبار بدون " ما " لأن الإضافة تزيل إبهامها ، فإذا كفتها " ما " عن الإضافة بقي إبهامها فجوزي بها . وقال أبو البقاء في اللباب " إنما لم يجاز بها في الأخبار ; لأنها تستعمل فيما لا بد من وقوعه ، مثل إذا احمر البسر ، وإذا طلعت الشمس ، ووقته متعين لما يضاف ، وباب الشرط الإبهام . والفرق بين " إذا " و " متى " أن الوقت في " متى " لازم للمجازات دون " إذا " عند الكوفيين والمبرد من البصريين . والخلاف عند عدم النية . فلو نوى بها آخر عمره فإنه يصدق عند الحنفية بلا خلاف . قالوا : ولو لم يكن حقيقة في الشرط لما صدق ; لأنه حينئذ يكون نوى بها مجاز كلامه ، وفيه تخفيف على نفسه ، وفي مثله لا يصدق . وقال أصحابنا في كتاب الخلع لو قال : إذا أعطيتني ألفا فأنت طالق اشترط إعطاؤها على الفور ، وليس ذلك من جهة الصيغة ، ولهذا ألحقوا بها " إن " في ذلك . قال الشيخ في المهذب " كذا ذكر الأصحاب ، وعندي أن " إذا " حكمها حكم " متى " وأي وقت في اقتضاء التراخي ، ولهذا لو قال : متى القتال ؟ جاز أن يقول : إذا شئت ، كما يجوز أن يقول : متى شئت ، بخلاف " إن " فإنه لا يجوز أن يقال : إن شئت . انتهى . وما ذكره الشيخ من دلالة " إذا " على الزمان صحيح لكن بينها وبين " متى " فرق ; لأن " متى " عامة تقتضي الدلالة على كل زمان بخلاف " إذا " .

[ ص: 215 ] واختلف النحويون في عمومها قيل : إذا قلت : إذا قام زيد قام عمرو . كانت بمنزلة " كلما " وقيل : إنما يلزم قيامه مرة واحدة ، ولا تقتضي تكرارا . قال ابن عصفور : والأصح هو الأول كسائر أدوات الشرط ، ويدل عليه قول الشاعر :

إذا وجدت أوار الحب في كبدي     أقبلت نحو سقاء القوم أنبرد

فإن المعنى على العموم كأنه قال : متى وجدت .

التالي السابق


الخدمات العلمية