صفحة جزء
[ ص: 126 ] الحد النظر في حقيقته وأقسامه وشروط صحته [ حقيقة الحد ] أما حقيقته : فالقول الدال على ماهية الشيء . وقيل : خاصية الشيء على الخلاف في تفسير ما هو الغرض بالحد ؟ . هل حصر الذاتيات أو مجرد التمييز كيف اتفق ؟ أو الشرط أن يكون لوصف خاص ؟ وهو يرجع إلى وصف المحدود دون قول الواصف الحاد عند معظم المحققين ، كما قال الإمام في " التلخيص " وتبعه ابن القشيري وقال : إنه قول معظم أئمتنا . وقال القاضي : يرجع إلى قول الواصف ، وهو عنده القول المفسر لاسم المحدود وصفته على وجه يخصه ويحصره . فلا يدخل فيه ما ليس منه ، ولا يخرج منه ما هو منه . قال الإمام : وهو منفرد بذلك من بين أصحابه . [ ص: 127 ] وقال الأستاذ أبو منصور : الحد والحقيقة عندنا بمعنى ; لأن حقيقة الشيء مانعة له من الالتباس بغيره ناطقة بما ليس منه من الدخول في حكمه ، وقالت الفلاسفة : هو الجواب الصحيح في سؤال ما هو ؟ إذا أحاط بالمسئول عنه ، وهذا خطأ ; لأن الحد قد يذكر ابتداء من غير تقدم سؤال . والصحيح عندنا : أن حد الشيء : معناه الذي لأجله استحق الوصف المقصود بالذكر ، وتسمية العبارة عن الحد مجاز ، ومعنى الحقيقة والحد واحد إلا أن لفظ الحقيقة يستعمل في القديم والمحدث والجسم والعرض ، ولفظ الحد يغلب استعماله في الحجة . قال : واختلفوا في العلم بالمحدود هل يجوز حصوله لمن لم يكن عارفا بحده وحقيقته ؟ . أجازه قوم ، وقال أصحابنا : لا يجوز ، ولذلك قالوا : إن من لم يعلم لله سبحانه علما وقدرا وحياة لم يعلمه عالما قادرا حيا ، وإن اعتقد أنه عالم قادر حي ; لأن العلم بكون العالم عالما علم بعلمه ، والنافي لعلمه وقدرته وحياته غير عالم بكونه عالما قادرا حيا . وهذا قول يطرد على أصلنا في جميع الحدود ، وفرق بعض أئمتنا القدماء بين الحد والحقيقة . قال : الحد ما استعمل في الشيء نفسه ، والحقيقة ما جاز أن يستعمل في الشيء وضده .

قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني : الشيء له في الوجود أربع مراتب : الأولى : حقيقته في نفسه ، والثانية : ثبوت مثال حقيقته التي تدل عليه من الذهن الذي يعبر عنه بالعلم . [ ص: 128 ] والثالثة : تأليف صوت بحروف تدل عليه ، وهو العبارة الدالة على المثال الذي في النفس ، والرابعة : تأليف رقوم تدرك بحاسة البصر تدل على اللفظ وهو الكتابة . قال : والعادة لم تجر بإطلاق اسم الحد على العلم ، ولا على الكتابة ، بل هو مشترك بين الحقيقة واللفظ . وقال العبدري : وما أخذوه من حد الحد هل المراد به المعنى الذي في النفس خاصة أم اللفظ الدال على ما في النفس ؟ فالجواب فيه قولان : أحدهما : المعنى الذي في النفس خاصة ، والثاني : المراد المعنيان جميعا ، لا على أنه مشترك بينهما ، بل على أنه يقال على المعنى الذي في النفس ، فإنه أولى ، ويقال على اللفظ بحكم التبع ، لدلالته على ما في النفس .

التالي السابق


الخدمات العلمية