صفحة جزء
الثاني : من المواضع في سبب إفادتها الحصر ويعرف من أنها مفردة أو مركبة ، وفيه طرق : أحدها : أنها لفظة مفردة وضعت للحصر ابتداء من غير اعتبار تركيب ومن غير وضعها لمعنى ، ثم نقلها لمعنى الحصر ، ودليله أنها للحصر ، والأصل عدم التركيب والنقل ، وكونها على صورة " إن " مع " ما " لا يستدعي [ ص: 242 ] التركيب منهما بل المجموع حرف واحد ، كما أن الجزء الأول من لفظ إنسان على صورة حرف الشرط وليس مركبا منه . الثانية : للإمام فخر الدين الرازي أن " إن " للإثبات و " ما " للنفي فإذا جمعا فقيل : إنما زيد قائم ، فالأصل بقاء معناه بعد التركيب على ما كان عليه ، وليس النفي والإثبات متوجهين إلى المذكور ، ولا إلى غير المذكور للتناقض ، بل أحدهما للمذكور والآخر لغير المذكور ، وليس " إن " لإثبات ما عدا المذكور و " ما " لنفي المذكور وفاقا ، فتعين عكسه ، وهو معنى القصر . ورد بأن حكم الإفراد غير حكم التركيب ، ولا نسلم كونهما كلمتين بل كلمة واحدة والأصل عدم التركيب والنقل ، وأيضا حكم غيره لم يذكر فكيف ينفى حكمه ؟ هذا على تقدير تسليم المقدمتين ، وهما أن " إن " للإثبات و " ما " للنفي ، لكنهما ممنوعتان باتفاق النحاة أما " إن " فليست للإثبات ، ولا ما للنفي بدليل استعمالها مع كل منهما . تقول : إن زيدا قائم ، وإن زيدا لا يقوم ، فلو كانت لأحدهما دون الآخر لم تستعمل معهما ، وأما " ما " فليست للنفي وإنما هي كافة . وأجيب عن ذلك بأن الكفر حكم لفظي لا ينافي أن يقارنه حكم معنوي ، واستدل السكاكي على أنها ليست بنافية بأن النافية لها صدر الكلام ، وهذه ليست كذلك ، وبأنه يلزم اجتماع حرفي النفي والإثبات بلا فاصل ، وبأنه لو كانت النافية لجاز نصب قائم في : إنما زيد قائم ; لأن الحرف وإن زيد يعمل ، ولكان معنى إنما زيد قائم تحقق عدم قيام زيد ; لأن ما يلي النفي منفي ، والتوالي الأربعة باطلة .

[ ص: 243 ] وانتصر القاضي عضد الدين للإمام ، وقال : مراده أن كلمة " إنما " هكذا للحصر كسائر الكلمات المركبة الموضوعة لمعنى ، لا أن لفظة " إن " ولفظة " ما " ركبتا وبقيتا على أصلهما حتى لا يرد عليه الاعتراضات ، وما ذكره الإمام بيان وجه المناسبة لئلا يلزم النقل الذي هو خلاف الأصل ، لكن يرد عليه في بيان وجه المناسبة أن قولك : " ما " لنفي غير المذكور كنفي غير قيام زيد في قولك : إنما زيد قائم غير متعين فلم لا يجوز أن تكون لنفي قيام غير زيد ؟ وقال الشيخ أبو حيان كون " ما " هنا للنفي قول من لم يشتم رائحة النحو . قلت : قد حكاه في المحصول " عن الفارسي في الشيرازيات " أنه حكاه عن النحويين ، قال : وقولهم حجة ، لكن قال الشيخ جمال الدين في المغني " لم يقل ذلك الفارسي في الشيرازيات " ولا قاله نحوي غيره ، وإنما الذي في الشيرازيات " أن العرب عاملوا " إنما " معاملة النفي ، وإلا في فصل الضمير . قلت : سبق من كلامه ما يدل على أنه أراد إشرابها معنى النفي أيضا وقال ابن برهان من أئمة النحويين في شرح اللمع " ما نصه : تأول قوم " إنما " على معنى ما وإلا ، واستدلوا بقول الفرزدق :

وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

وهذا قول ذكره أبو علي عن بعض البغداديين في قوله تعالى : { إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها } أي ما حرم إلا الفواحش ، وهذا قول لا نتبين صحته عندنا ، وقد قال تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } . انتهى . [ ص: 244 ] وسيأتي جوابه أنه لم يخرج عن الحصر لكنه مجازي .

التالي السابق


الخدمات العلمية