صفحة جزء
الأولى : حروف الجر يسميها الكوفيون الصفات لنيابتها عن الصفات ويجوزون دخول بعضها على بعض . أي : أن هذا الحرف بمعنى حرف كذا . ومنع البصريون ذلك وعدلوا عنه إلى تضمين الفعل معنى فعل آخر إبقاء للفظ الحرف على حقيقته ، وكأنهم رأوا التجوز في الفعل أخف من التجوز في الحرف . والكوفيون عكسوا ذلك ، وقال ابن السيد : في القولين جميعا نظر ; لأن من أجاز مطلقا يلزمه أن يجيز سرت إلى زيد . يريد مع زيد ، ومن منع مطلقا لزمه أن يتعسف في التأويل الكثير . فالحق : أنه موقوف على السماع ، وغير جائز في القياس . ثم ذكر ما حاصله يرجع إلى التضمين هو تضمين الحرف معنى آخر ليفيد المعنيين كقوله :

إذا رضيت علي بنو قشير لعمر الله أعجبني رضاها

قيل : إنما عدي رضي بعلي ; لأنه بمعنى أقبلت : وقال أبو الفتح بن دقيق العيد : المانعون إنما يمنعون الاستعمال حقيقة ومجازا ، أو حقيقة فقط ، والمجوزون إما أن يدعوا في الاستعمال الحقيقة فيه أو يقولوا بالمجاز فيه . فإن ادعى المانعون العموم بالنسبة إلى الحقيقة والمجاز لم يصح ; لأنهم إذا ردوا [ ص: 250 ] على المجيزين جعلوا مدلول اللفظ حقيقة معنى من المعاني ، ثم ردوا الاستعمال الذي يذكره المجوزون بالتأويل إلى ذلك المعنى ، وهو يقرب المجاز ، فعلى هذا يؤول تصرف البصريين إلى المجاز أيضا ويرجع الخلاف في ترجيح أحد المجازين على الآخر لا في المنع من الاستعمال أو الحمل أو الجواز فيهما ، وإن كان الكوفيون يرون الاستعمال في هذه المعاني التي يوردونها حقيقة . والبصريون يقولون : مجاز ، فالمجاز خير من الاشتراك ، والاشتراك لازم على هذا القول لاتفاق الفريقين على استعمال اللفظ في معنى حقيقة ، والكوفيون على هذا التقدير يرون استعماله في معاني حقيقة ، فيلزم الاشتراك على هذا التقدير قطعا . قال : ولست أذكر التصريح من مذهب المجوزين في أنه حقيقة ، وإنما المشهور قولهم : ويكون كذا بمعنى كذا ، وليس فيه دليل على أنه حقيقة فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية