صفحة جزء
الثالثة : الأفعال باعتبار تعليقها بمفعولاتها على الاستيعاب وعدمه على أربعة أقسام : أحدها : ما يستوعب ليس إلا ، نحو اشتريت الدار ، وأكلت الرغيف فلا يحمل على البعض إلا مجازا . قال ابن المنير في تفسيره الكبير " : ومن ثم أشكل مذهب مالك - رحمه الله - في تحنيث الحالف ببعض المحلوف عليه ، فإنه إلزام له بمقتضى خلاف حقيقة لفظه ، وحمل عليه أنه أراد المجاز ، وهو يقول : ما أردته فاحملوا لفظي على الحقيقة ، أو عسى أن مكلفا قدر الجملة في المعنى بالأجزاء فكان معنى لفظه عنده لا أكلت جزءا من الرغيف . وأخذ ذلك في أجوبة الدعاوى فيما إذا قال : لا تستحق علي العشرة ، فإن محمل النفي على الأجزاء أي : ولا شيء منها ، ولهذا يلزمه في أجوبة الدعاوى ، ولا شيء منها [ ص: 252 ] مع قرينة كون الحالف في مثله يريد الاجتناب ومباعدة المحلوف عليه ، فمتى أكل الرغيف إلا لقمة فإنه مقصود الاجتناب .

الثاني : مقابل الأول لا يقتضي الفعل في الاستيعاب ، كقولك : شج زيد عمرا ، فلا خفاء أنه لا يريد إلا جرحه في رأسه خاصة بعض الوجه ولا تكون الشجة إلا كذلك ، ومنه ضربت زيدا . الثالث : كالثاني إلا أن العرف هو المانع للاستيعاب ، كقولك : جعلت الخيط في الإبرة ، وليس المراد وقفته على جملة الإبرة ، وكقوله تعالى : { جعلوا أصابعهم في آذانهم } . الرابع : يختلف الحال فيه بدخول حرف الجر فيه وعدمه ، ومنه عند الشافعي فعل المسح إن اقترن بالباء كان للتبعيض ، وإلا للاستيعاب ، وكذلك ما يقول أبو علي في السير واليوم لو قلت : سرت اليوم فظاهره الاستيعاب ، وإن قلت : سرت في اليوم فظاهره عدم الاستيعاب ، وتتحقق الظرفية بدخول " في " وتغلب الاسمية بسقوطها ، ولهذا كان الأولى حين تتحقق الظرفية النصب .

تقول : سرت اليوم فيه ، وحين تغلب الاسمية الرفع تقول : اليوم سرته ، وينبني على هذا الفرق أحكام كثيرة . منها : لو قال : أنت طالق في يوم السبت يقع بطلوع الفجر ، ولو نوى وقوعه في آخره يدين ، ولم يقبل ظاهرا عندنا ، وقال أبو حنيفة : يقبل ، وخالفه صاحباه . وجعل السروجي مأخذهما أن حذف حرف الجر وإثباته سواء ; لأنه ظرف في الحالين فصار كما لو قال : صمت يوم الجمعة ، وفي يوم الجمعة ، فإن الحكم فيهما سواء ، ولأبي حنيفة أن الحذف للحرف قد يحدث معنى لا يكون مع إثباته ; لأن " في " قد تفيد التبعيض في الظرف الداخل عليه إلا أن يمنع مانع ، ولهذا قالوا في قولهم : سرت فرسخا وسرت في فرسخ : إن الظاهر في الأول الاستغراق في السير وفي الآخر عدمه ، وقوله : إلا أن يمنع مانع حتى يخرج صمت في يوم الجمعة ، فإن صوم بعض [ ص: 253 ] اليوم لا يمكن ، وردوا صمت شهر رمضان أو شهر رمضان إلى الأصل الأول أن صوم الشهر يقبل التبعيض .

التالي السابق


الخدمات العلمية