صفحة جزء
الخامسة : النسبة المنفية إذا قيدت بحال تسلط النفي على الحال ، وللعرب فيه طريقان : أكثرهما نفي المقيد ، وهو الحال ، فتقول : ما زيد أقبل ضاحكا فيكون الضحك منفيا ، وزيد قد أقبل غير ضاحك والثاني : نفي المقيد والقيد ، فيكون زيد لم يضحك ولم يقبل ، ومن ثم رد على أبي البقاء تجويزه عمل { بمؤمنين } في الحال ، وهو { يخادعون } إذ ليس معنى الآية نفي الخداع ألبتة ، والعجب منه كيف تنبه فمنع الصفة ؟ وعلله بما ذكرنا ، وأجاز الحال ولا فرق . ولأبي البقاء أن يقول : الفرق واضح ، فإذا قلت : ما زيد ضاحك راكبا فمعناه نفي الضحك في حال الركوب ، وهو لا يستلزم نفي حال [ ص: 256 ] الركوب ; إذ الحال كالظرف ، فالمنفي الكون الواقع في الحال لا الحال كما في قولك : ما زيد ضاحك في الدار ، وهذا بخلاف الصفة ; إذ هي كون من الأكوان فيقتضي نفيها به .

وقال بعض المتأخرين : يظن كثير من الناس ممن لا تحقيق له أن في مدلول { لا يسألون الناس إلحافا } وقوله : { ولا شفيع يطاع } ونظائره مذهبان : أحدهما : نفي الإلحاف وحده . والثاني : نفي السؤال والإلحاف معا ، وينشد :

على لاحب لا يهتدى بمناره

ولم يقل أحد إن نفيهما معا في الآية من مدلول اللفظ بل هو من جملة محامله ، كما أن زيدا من جملة محامل رجل ، وقد تقرر في المعقول أن القضية السالبة لا تستدعي وجود موضوعها فكذلك سلب الصفة لا يستدعي وجود الموصوف ولا نفيه . والحاصل : أن اللفظ محتمل ، ولا دلالة له على واحد من الطرفين بعينه ، وليس هو مترددا بينهما بل مدلوله أعم منهما وإن كان الواقع لا يخلو عن أحدهما ، والمتحقق فيه انتقاء الصفة ; لأنه على التقديرين ، وانتفاء الموصوف محتمل .

لا دلالة لنفي المركب على انتفائه ولا ثبوته ، لكن إذا جعلنا الصفة تشعر به نزع إلى القول بعموم الصفة ، فمن أنكره فواضح ، ومن أثبته وقال : إنه من جهة العلة فكذلك ; لأن محله إذا كانت الصفة المحكوم عليها والحكم معللا بها فلا يثبت عند انتفائها ، وهنا الصفة في الحكم ، ومن أثبته ، وقال : إنه من جهة اللفظ فيناسبه القول به هنا إلا أن يظهر غرض سواه كما هو مبين هناك .

التالي السابق


الخدمات العلمية