مسألة [ 
هل يجب العمل بالعام قبل البحث عن مخصص ؟ ] 
إذا جوزنا ورود العام مجردا عن مخصصه فهل يجب اعتقاد عمومه عند سماعه والمبادرة إلى العمل بمقتضاه ، أو يتوقف إلى أن ينظر دليل المخصص ؟ قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد الإسفراييني  في كتابه : اختلف أصحابنا فيه ، فقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14667القاضي أبو بكر الصيرفي    : يجب اعتقاد عمومه في الحال عند سماعه والعمل بموجبه . 
وقال عامة أصحابنا 
أبو العباس بن سريج   nindex.php?page=showalam&ids=11817وأبو إسحاق المروزي  وأبو سعيد الإصطخري  وأبو علي بن خيران  وأبو بكر القفال    : يجب التوقف فيه ، حتى ينظر في الأصول التي يتعرف فيها الأدلة ، فإن دل الدليل على تخصيصه  
[ ص: 48 ] خص به ، وإن لم يجد دليلا يدل على التخصيص اعتقد عمومه ، وعمل بموجبه . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد    : وحكى 
القفال  أن 
الصيرفي  سئل عن قوله تعالى : { 
فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه   } هل تقول إن من سمع هذا يأكل جميع ما يجده من رزقه ؟ فقال : أقول إنه يبلع الدنيا بلعا . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد    : وزعم 
الصيرفي  أنه مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، لقوله في " الرسالة " : والكلام إذا كان عاما ظاهرا كان على ظاهره وعمومه ، حتى تأتي دلالة تدل على خلاف ذلك . وزعم آخرون أن مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  خلافه ، لأنه قال : وعلى أهل العلم بالكتاب والسنة أن يتطلبوا دليلا يفرقون به بين الحتم وغيره في الأمر والنهي . فأخبر أنه يجب طلب دليل يستدل به على موجب اللفظ . 
قلت    : ومن هذه الطريقة يؤخذ حكاية قولين 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي  في هذه المسألة . وهو غريب . وما حكاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد  من الخلاف في وجوب اعتقاد العموم جرى عليه 
العراقيون  من أصحابنا ، منهم 
القاضي ابن كج  في كتابه في " الأصول " ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11872والقاضي أبو الطيب  في " شرح الكفاية " ، وصاحبه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11815الشيخ أبو إسحاق  في " شرح اللمع " ; 
وسليم الرازي  في " التقريب " ، 
وابن الصباغ  في " العدة " ، ونصروا قول 
ابن سريج    . وممن حكاه من 
المراوزة  إمام الحرمين  وأبو النصر بن القشيري  في كتابه ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي الحسين  في تعليقه قبيل كتاب القاضي إلى القاضي ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13332والإمام أبو عمر بن عبد البر   [ ص: 49 ] ونقل التمسك بالعموم إلى أن يظهر المخصص عن أهل 
الحجاز  ، والمنع منه عن أهل 
الكوفة    . وكذلك صور المسألة والنقل ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر  في " التقريب " 
والإمام  في " التلخيص " قال : وذهب 
ابن سريج  ومعظم العلماء إلى أنه لا يسوغ اعتقاد العموم إلا بعد النظر في الأدلة ثم إذا نظر فيها جرى على قضيتها . 
قال : وارتضاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11939القاضي أبو بكر  ، وهو الصحيح . وكذلك صورها 
إلكيا الهراسي  في " المدارك " ، ونقل موافقة 
ابن سريج  عن 
القفال  وابن خيران  والإصطخري  ، وكذلك 
ابن برهان  في " الأوسط " إلا أنه اختار قول 
الصيرفي  ، وقال : إنه الصحيح . وكذا اختاره 
 nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل  والمقدسي   nindex.php?page=showalam&ids=14953والقاضي أبو يعلى بن الفراء   nindex.php?page=showalam&ids=14242وأبو بكر الخلال  من الحنابلة ، وهو إحدى الروايتين عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، واختاره أيضا 
الإمام فخر الدين الرازي  وأتباعه ، 
وأبو العباس القرطبي  من المالكية . لكن الراجح عند أصحابنا أنه لا يجوز قبل البحث عن المخصص ، ونقل فيه 
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني  اتفاق أصحابنا ، واختاره 
الإمام  في " البرهان " وزيف قول 
الصيرفي    " ، وحكاه 
الماوردي  عن ظاهر نص 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . 
وقال في كتاب " الأقضية " وتبعه 
الروياني  في " البحر " : إنه مذهب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . 
قلت    : هو ظاهر نص 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في " أحكام القرآن " ، فإنه قال : 
وعلى أهل العلم عند تلاوة القرآن والسنة طلب الدلائل ليفرقوا بين الحتم وغيره في الأمر والنهي   . هذا لفظه . فنص على طلب الدلائل المميزة بين مواقع  
[ ص: 50 ] الكلام ، ولم يكلهم إلى نفس الكلام وظاهره ، قبل البحث عن القرائن . لكنه نص في موضع آخر على ما يخالفه . فيصير له في المسألة قولان ، فذكر في " الأم " حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب  بعموم النهي عن الاستقبال بالغائط والبول ، وقال : - يعني 
 nindex.php?page=showalam&ids=50أبا أيوب    - بالحديث جملة كما سمعه جملة . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : وكذلك ينبغي لمن سمع الحديث أن يقول به على عمومه وجملته ، حتى يجدد دلالة يفرق منها فيه ، ثم مثل الدلالة المفرقة بحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، ثم ذكر حديث النهي عن الأوقاف المكروهة ، ثم قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : وهكذا غير هذا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو على الظاهر من العموم ، حتى تأتي الدلالة عنه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إجماع الأئمة الذين لا يمكن أن يجمعوا على خلاف سنة أنه باطن دون ظاهر ، وخاص دون عام . انتهى . هذا لفظه ، وذكر في " الرسالة " مثله ، واحتج بحديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب  في قضاء الحاجة ، وأنه سمعه جملة ، فقال به جملة . وقد سبق في مسألة صيغ العموم نقل 
الصيرفي  مثل ذلك عن نصوص 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  الكثيرة . 
وقال 
الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني  في كتابه : اتفق أصحابنا على أن العموم إذا ورد وسمعه المكلف وفهم ما يجب ، وجب عليه عرضه إذا أراد تنفيذه على ما يقدر من أدلة العقول وأصول الشرع ، فإن كان فيه ما أوجب تخصيصه خصه به ، وإلا أجراه على ظاهره فيما اقتضاه لفظه ، وهذا وقف منه على مقدار الاجتهاد ، وليس هو من جنس ما تقوله 
الواقفية    . انتهى . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال الشاشي  في أصوله " : 
إذا ورد الخطاب باللفظ العام  [ ص: 51 ] نظر ، إن وجد دليل يخص اللفظ كان مقصودا عليه ، وإلا أجري على عمومه ، لأن العام محتمل للتخصيص ، فلا يجوز الهجوم على الحكم دون النظر في المراد به ، فإن قيل : فما الذي يعتقده السامع قبل النظر ؟ قلنا : قد يقترن بالخطاب من دلالة الحال ما يقف به السامع على مراد الخطاب ، وقد يتقدم الخطاب ما يتعقل لتخصيص اللفظ وقرينته عليه ، كما ورد أنه لما نزل قوله تعالى : { 
ولم يلبسوا إيمانهم بظلم   } شق ذلك على الصحابة ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=62413إن الشرك لظلم عظيم   } " 
إذا ورد الخطاب مجردا من دلالة تقترن به ، فالواجب على المخاطب قبل النظر أن يعتقد ما حصل عنده من ظاهر اللفظ ، فإنه حق ولا يعتقد انصرافه إلى عموم ولا إلى خصوص ; لأنه إنما يجوز اعتقاد الشيء على ما هو به ، وليس عنده قبل النظر في هذا أكثر من اللفظ العام ، فالعام يرد عليه الحادثة وجهين فلا يعتقد في حكمها شيئا بعينه إلى أن ينظر فيتبين له الحكم . انتهى . وقد احتج بعضهم على العمل قبل البحث عن المخصص بما في الصحيحين عن حديث 
أبي عبيدة  في العنبر الذي ألقاه البحر ، فإن 
أبا عبيدة  حكم بتنجيس ميتة البحر تمسكا بعموم القرآن ، ثم إنه استباحها بحكم الاضطرار مع أن عموم القرآن في الميتة مخصص بقوله : { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=39003هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته   } ولم يكن عنده ولا عند أحد من أصحابه خبر من هذا المخصص .  
[ ص: 52 ] وحصل بما ذكرنا أن في هذه المسألة عندنا طريقتين : إحداهما : حكاية لقولين أو وجهين . والثانية : القطع بوجوب البحث من غير خلاف على طريقة 
الأستاذ أبي إسحاق  ، والقولان الأولان مشهوران من غير مذهبنا . ولهم فيها أيضا ثلاثة أقوال غريبة : 
أحدها : إن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على طريق تعليم الحكم وجب اعتقاد عمومه في الحال ، وإن سمعه من غيره لزمه التثبت ، ونسب 
لأبي عبد الله الجرجاني  من الحنفية . 
والثاني : وحكاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد  ، 
وسليم الرازي  في " التقريب " عن أهل 
العراق  أنه إن ورد بيانا بأن يكون جوابا لسؤال أو أمرا أو نهيا وجب حمله على عمومه ، وإن ورد ابتداء وجب التوقف فيه ، وحكاه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14330أبو بكر الرازي  في أصوله ، واختاره ، على غير هذا الوجه ، وهو التفصيل بين أن يرد جوابا عن سؤال أو أمرا أو نهيا ، فيجب حمله على عمومه ، لأنه لو كان خاصا لما تركه عليه الصلاة والسلام بلا بيان في الحال التي ألزم بتنفيذ الحكم مع جهل السائل . 
وإن ورد ابتداء من غير تعلق بسؤال أو سمع آية من القرآن مبتدأة والسائل من أهل النظر والاجتهاد ، قال 
الرازي    : ففيه وجهان : أحدهما : لا يحكم بظاهره حتى يبحث عن المخصص ، فإن لم يجده أمضاه على عمومه .  
[ ص: 53 ] 
والثاني : إن كان مخاطبا بحكم اللفظ فليس يخليه الله تعالى عند سماع اللفظ من آية دلالة التخصيص عليه ، حتى يكون كالاستثناء المتعقب للجملة ، وأما من لم يكن مخاطبا بالحكم ، فليس عليه أن يعتقد فيه عموما ولا خصوصا . 
قال : وأما العامي فليس له أن يعتقد شيئا من ذلك ، ولكنه إذا سأل عن حكم حادثة ممن يلزمه قبول قوله ، فأجابه بجواب مطلق أمضاه على ما سمعه ، ومنه من اقتصر على العموم من غير تفصيل ، وهو خطأ ; لأن فيه إيجاب اعتقاد عموم ما لا يعلم صحة عمومه لا سيما إذا كان مخصصا في نفس الأمر . ا هـ . 
الثالث : وحكاه 
الماوردي  والروياني  في كتاب " الأقضية " التفصيل بين أن يدخله تخصيص أو لا ، فقيل التخصيص يستعمل على عمومه من غير اجتهاد ولا نظر ، وبعد التخصيص يحتمل . قال : وهو قول أهل 
العراق  ، وكلام 
ابن كج  يقتضي تخصيص الخلاف بما إذا لم يكن هناك ما يخصصه ، فإن وجدنا ما يخصصه وجب العمل بالعام بلا خلاف من غير توقف ، وإن كان يجوز أن يكون هناك مخصص آخر ، فإنه جعل هذا أصلا قاس عليه موضع الخلاف . وحكى 
 nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك  مذهب 
الصيرفي  ومقابله قولا بالتفصيل بين الأوامر والأخبار ، قال : ومنهم من جمع في الوقف بينهما ، وهو الأفقه ، ومنهم من حمله على ثلاثة ، وتوقف في الزائد عليه . والمشهور حكاية هذا في تأخير البيان عن وقت الحاجة . ونقل بعضهم عن " الأصول " 
للأستاذ أبي إسحاق  أن محل الخلاف في هذه المسألة فيما إذا ورد الخطاب العام بعد وفاته عليه السلام فإن ورد  
[ ص: 54 ] في عهده ، وجب المبادرة إلى الفعل عمومه ; لأن أصول الشريعة لم تكن مقررة .