صفحة جزء
[ عموم الجمع المؤنث الذكور ، والجمع المذكر الإناث ]

القسم الرابع : لفظ يستعمل فيهما بعلامة التأنيث في المؤنث ، وبحذفها في المذكر ، كجمع المذكر السالم نحو المسلمين ، وكذلك ضمير الجمع ، نحو : قالوا ، كما قاله القفال الشاشي في كتابه ، وهذا هو محل الخلاف ، والذي ذهب إليه الشافعي وأصحابه والجمهور أنه لا يدخل النساء فيه إلا بدليل ، كما لا يدخل الرجال في لفظ المؤنث إلا بدليل وممن نسبه للشافعي القفال الشاشي ، وأبو الحسين بن القطان ، وأبو حامد الإسفراييني ، والماوردي في " الحاوي " في الأقضية ، والروياني في " البحر " في " كتاب السير " ، وابن القشيري ، وأخذوا ذلك من قوله : لا جهاد على النساء ، لأن الله تعالى لما قال : { جاهدوا } وقال : { حرض المؤمنين على القتال } دل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث ، لأن الإناث المؤمنات .

قال القفال : وأصل هذا أن الأسماء وضعت للدلالة على المسمى ، فخص كل نوع بما يميزه ، فالألف والتاء جعلت علما لجمع الإناث ، والواو والياء [ ص: 244 ] والنون لجمع الذكور ، فالمؤمنات غير المؤمنين ، وقاتلوا خلاف " قاتلن " ثم قد تقوم قرائن تقتضي استواءهما فيعلم بذلك دخول الإناث في الذكور ، وقد لا تقوم فيلحقن بالذكور بالاعتبار والدلائل ، كما يلحق المسكوت عنه بالمذكور بدليل .

ومما يدل على هذا إجماع أهل اللغة على أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، فلولا أن التسمية للمذكر لم يكن هو الغالب ، ولم يكن حظه منها كحظ المؤنث ، ولكن معناه أنهما إذا اجتمعا استقل أفراد كل منهما بوصف ، فغلب المذكر وجعل الحكم له ، فدل على أن المقصود هم الرجال ، والنساء توابع . انتهى .

وقال الأستاذ أبو منصور وسليم في " التقريب " : وهذا قول أصحابنا ، واختاره القاضي أبو الطيب في " الكفاية " وابن السمعاني في " القواطع " ، وإلكيا الهراسي ، ونصره ابن برهان في " الوجيز " ، والشيخ أبو إسحاق في " التبصرة " ونقله في " الأوسط " عن معظم الفقهاء ، ونقله ابن القشيري عن معظم أهل اللغة .

وقال القاضي إنه الصحيح ، قال : ولست أحفظ عن متقدمي أصحابنا شيئا غير أن ظاهر مذاهبهم الدخول .

وذهب الحنفية كما قاله سليم ، وابن السمعاني ، وابن الساعاتي ، قلت : منهم شمس الأئمة السرخسي ، وصاحب " اللباب " ، وغيرهم ، إلى أنه يتناول الذكور والإناث وحكاه القاضي أبو الطيب عن أبي حنيفة ، وحكاه الباجي عن ابن خويز منداد ، ونسب للحنابلة والظاهرية [ ص: 245 ]

ويدل لهذا المذهب قوله عليه السلام : { سبق المفردون ، هم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات } فلولا دخولها فيه لم يحسن التفسير بذلك .

رأى إمام الحرمين اندراج النساء تحت لفظ المسلمين بقضية التغليب ، لا بأصل الوضع ، إذ اللفظ لم يوضع لهن ، وهذا ما حكاه صاحب المصادر عن أهل العربية .

وقال الإبياري : لا خلاف بين الأصوليين والنحاة أن جمع المذكر لا يتناول المؤنث بحال ، وإنما ذهب بعض الأصوليين إلى تناوله الجنسين ، لأنه لما كثر اشتراك الذكور والإناث في الأحكام لم تقصر الأحكام على الذكور قال : وإذا حكمنا بتناول اللفظ لهما فهل تقول : اجتمع في اللفظ موجب الحقيقة والمجاز ؟ أو يكون جميعا مجازا صرفا ؟ فيه خلاف ، وقياس مذهب القاضي أن يكون مجازا صرفا ، وقياس قول الإمام أنه اجتمع فيه موجب الحقيقة والمجاز . انتهى . وحاصلة الإجماع على عدم الدخول لغة حقيقة ، وإنما النزاع في ظهوره لاشتهاره عرفا وغيره أطلق الخلاف ، وجعل القاضي عبد الوهاب محله ما إذا ورد الجمع مجردا ، أما لو ذكرن مع الرجال مثل أن يقول : يا أيها الرجال والنساء من شهد منكم الشهر فليصمه ، فلا خلاف في دخولهن في الخطاب ، وهو قضية كلام ابن الحاجب ، فإنه وافق على الدخول فيما إذا أوصى لرجال ونساء بشيء ، ثم قال : أوصيت لكم بكذا ، فإنه يدخل النساء اتفاقا بقرينة الإيصاء الأول .

قال الهندي : وكلام إمام الحرمين يشعر بتخصيص الخلاف بالخطابات [ ص: 246 ] الواردة من الشرع لقرينة عليه ، وهي المشاركات في الأحكام الشرعية ، قال : واتفق الكل على أن المذكر لا يدخل تحته إن ورد مقترنا بعلامة التأنيث ، ومن أقوى ما احتج به المعممون إجماع أهل اللغة على أنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، وعلى هذا ورد قوله تعالى : { اهبطوا منها جميعا } في خطاب آدم وحواء وإبليس .

قال الماوردي : هذا منشأ الخلاف ، وأجيب عنه بأنه لا يلزم من صحة إرادة الشيء من الشيء إرادته منه إذا ورد مطلقا من غير قرينة ، كيف والواقع من أئمة العربية إنما هو تغليب الخطاب للذكور والإناث إذا اجتمعوا ، وأنه يغلب جانب التذكير ، ولم يذكروا أن اللفظة عند إطلاقها موضوعة لتناول الجميع . تنبيهات

الأول : موضع الخلاف في الخلاف غير الشفاهي وقيام القرينة على الدخول والخروج ، أما الخطاب الشفاهي كقوله : أعطوا هؤلاء الكفار وهم رجال ونساء دخلن قطعا ، ولم يختلف المفسرون في قوله تعالى : { اهبطوا منها جميعا } أنه يتناول حواء . وأما القرينة المخرجة ، فكقوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } فقد خصه عليه السلام بغير النساء ، لنهيه عن قتل النساء ، وأما القرينة المدخلة فكقوله : { أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم } ، فإن المعنى في استيفاء الحد الملك ، وهو شامل للرجل والمرأة ، ولهذا أقامت عائشة الحد على أمة لها . [ ص: 247 ] ويخرج من هذا أن المسألة أربعة أقسام : ما يدخلن قطعا ، وما لا يدخلن قطعا ، وما يدخلن على الأصح ، وما لا يدخلن على الأصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية