صفحة جزء
[ المسألة ] العاشرة [ دخول المخاطب في عموم خطابه ]

اختلفوا في دخول المخاطب بكسر الطاء في عموم خطابه على وجهين لأصحابنا ، حكاهما الأستاذ أبو منصور .

أحدهما : قال : وبه قال أكثر المخالفين إنه يتناول ، ولا يخرج من عمومه إلا بدليل يوجب تخصيصه .

والثاني : قال : وعليه أكثر أصحابنا إنه لا يدخل إلا بدليل ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي .

قال : وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا ورد منه عليه السلام لفظ عام في إيجاب حكم أو حظره أو إباحته : هل يدل ذلك على دخوله فيه أم لا ؟ وكذا قال القاضي أبو الطيب إذا أمر النبي عليه السلام أمته بأمر لم يدخل [ ص: 263 ] هو في الأوامر خلافا لبعض أصحابنا ، كذا قال سليم في " التقريب " : إذا أمر عليه السلام بأمر لم يدخل في حكمه إلا أن يكون في اللفظ ما يقتضيه ، كقوله : افعلوا كذا فإنكم مكلفون ، وقيل يدخل مطلقا ، وكذا قال ابن برهان في " الأوسط " : ذهب معظم العلماء إلى أن الآمر لا يدخل تحت الخطاب ، ونقل عبد الجبار وغيره من المعتزلة دخوله ، وكذا قال ابن السمعاني في " القواطع " : المسألة مصورة فيه عليه السلام إذا كان آمرا ، وعامة الفقهاء على أنه لا يدخل ، فأما الأمر الوارد من الله تعالى بذكر الناس ، فقد اتفقوا على أن الرسول لا يدخل في ذلك . هكذا قال ، وقد سبق الخلاف فيه .

والحاصل أن مذهبنا عدم الدخول ، ولهذا قال النووي في " الروضة " في كتاب الطلاق : إنه الأصح عند أصحابنا . وقد رأيت من أنكر عليه ذلك بنقل " المحصول " عن الأكثرين الدخول ، وقد عجبت من نقل هؤلاء الفحول ، لأنهم إنما تعرضوا للأمر ، لا للخبر ، والفرق بينهما واضح ، وقد سوى صاحب " المحصول " بينهما في النقل عن الأكثرين ، وهو ظاهر كلام الغزالي في " المنخول " حيث قال بهما ، ثم قال : والمختار الاندراج ، وكذا قال ابن القشيري في أصوله "

قال : صاحب المحصول : ويشبه أن يكون كونه أمرا قرينة مخصصة ، ففرق بينهما ، وأدخله في الخبر لا الأمر . قال صاحب الحاصل " : وهو الظاهر ، وعلى هذا فلا منافاة بينه وبين نقل الجمهور .

وفصل إمام الحرمين ، فقال : اللفظ يتناوله نفسه ، ولكنه خارج عنه عادة ، وقال إلكيا الهراسي : القول الموجز فيه أن موجب الخلاف [ ص: 264 ] الاندراج ، ولكن اشتهر عرف الاستعمال بخلافه ، وذلك لا يوجب تأثيرا في موجب اللفظ إلا أن يكون عرف الاستعمال راجعا إلى غير اللفظ ، لا إلى حال المخاطب . قال : وهذا دقيق قاطع خيال المخالف . وقال الصفي الهندي : هذه المسألة قد تعرض في الأمر ، وقد سبقت في مباحثه ، ومثله النهي ، ومرت في الخبر ، والجمهور على دخوله .

وقال بعض المتأخرين : إذا كان المراد بهذه المسألة أن ما وضع للمخاطب يشمل المتكلم وضعا ، فليس كذلك ، وإن كان المراد حكما فمسلم ، إذا دل عليه دليل ، أو كان الوضع شاملا له كألفاظ العموم . تنبيه [ دخول جبريل في التكاليف التي ينزل بها ]

وقع البحث في أن جبريل عليه السلام هل يدخل في التكليف بما يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ والتحقيق أن كل تبليغ يتوقف على فعل ، فهو مأمور بذلك الفعل ، كما في إمامته بالنبي عليه السلام في اليومين . وأما ما لا يتوقف على فعل فهو مأمور بتبليغ ما أمر بتبليغه فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية