صفحة جزء
[ المسألة ] العاشرة : اختلفوا في الجمل المتعاطفة إذا تعقبها شرط ، هل يرجع إلى الجميع أو يختص بالأخيرة ؟ على طريقين .

أحدهما : على قولين ، وممن حكاها الصيرفي في كتابه الدلائل ، فقال : اختلف أهل اللغة في ذلك ، فقال قوم : يرجع إلى ما يليه حتى يقوم دليل على إرادة الكل . وقال قوم : بل يرجع إلى الكل حتى يقوم دليل إرادة البعض ثم اختار الصيرفي رجوعه إلى الكل ، لأن الشرط وقع في آخر الكلام ، فلم يكن آخر المعطوفات أو به من غيره ، فأمضي على عمومه .

وحكى الغزالي عن الأشعرية عدم عوده إلى الجميع . قال ابن الفارض المعتزلي في النكت " : الذي في كتب علمائنا كثيرا رجوعه إلى الجميع . ويفرقون بينه وبين الاستثناء . ومنهم من سوى بينهما في رده إلى الجميع ، قال : ووجدت بعض الأدباء يسوي بينهما في الرجوع إلى ما يليهما .

والطريقة الثانية : القطع بعوده إلى الجميع ، والفرق أن الشرط منزلته التقدم على المشروط ، فإذا أخر لفظا كان كالمصدر في الكلام ، ولو صدر [ ص: 448 ] لتعلق بالجميع ، فكذا المتأخر . وعلى هذا جرى ابن مالك في باب الاستثناء من شرح التسهيل " ، فقال : واتفق العلماء على تعلق الشرط بالجميع في نحو : لا تصحب زيدا ولا تزره ولا تكلمه إن ظلمني ، واختلفوا في الاستثناء . انتهى . وهو ما أورده القفال والماوردي قالا : إلا أن يخصه دليل .

ونقل الأستاذ أبو إسحاق فيه اتفاق أصحابنا . لكن في كتب الفروع عن ابن الحداد إذا قال : أنت طالق واحدة وثلاثا إن دخلت الدار ، أن الشرط متعلق بالأخيرة .

ونقل أصحاب المعتمد " والمصادر " و المحصول " وفاق أبي حنيفة لنا على ذلك ، لكن القاضي ابن كج والماوردي حكيا عن أبي حنيفة اختصاصه بالأخيرة على قاعدته في الاستثناء . قال الماوردي : وهو غلط لقوله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } إلى قوله : { فمن لم يجد } فهو عائد إلى جميع ما تقدم لا إلى الرقبة .

ومثل القفال والصيرفي لتخصيصه ببعض المعطوفات بقوله تعالى : { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } فإن الشافعي قصر الشرط على الربائب دون أمهات النساء ، لدليل قام عنده في ذلك لا يصلح رده إلى الأمهات ، لأن الشرط لو اقترن به لم يستقم . ألا ترى أنه لو قيل : وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن لم يكن للكلام معنى ، لأن أمهات نسائنا أمهات أزواجنا ، وهي نساؤكم اللاتي دخلتم بهن [ ص: 449 ] من أزواجكم فكيف ترون أمهات أزواجنا من أزواجنا اللاتي دخلتم بهن ؟ وفي هذا بيان أن قوله : { من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } وصف للربيبة . ألا ترى أنه يصلح أن يقال : هذه ربيبة لامرأة لي ، قد دخلت بها ، ولا يصلح أن يقال : هذه أم امرأتي من امرأة لم أدخل بها ، ولهذا بطل رجوعه إلى الأولى . وإنما يرجع الاستثناء والشرط إلى جميع ما سبق إذا صلح أن يذكر مقرونا بكل واحد منهما كما سبق . انتهى كلام القفال .

وشرط ابن القشيري للعود إلى الجميع ما سبق في الاستثناء . فقال : إذا كان الخطاب على جمل منها مستقل ، ولو نيطت واحدة منها بشرط لم يقتض تعلقه بالكل ، وكذا إذا توالت ألفاظ عامة يثبت المخصص في بعضها لم يوجب التخصيص فيما عداه ، كقوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } الآية . واختار الرازي التوقف هنا ، ولا بعد في توقف القاضي فيه على ما تقدم في الاستثناء ، وتكلف الفرق بينها ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية