صفحة جزء
[ شروط حمل المطلق على المقيد عند الشافعية ] إذا علمت ذلك فلحمل المطلق على المقيد عندنا على الوجه المشروح شروط .

الأول : أن يكون القيد من باب الصفات كالإيمان مع ثبوت الذوات في الموضعين ، فأما في إثبات أصل الحكم من زيادة خارجة أو عدد فلا يحمل أحدهما على الآخر ، وهذا كالإطعام في كفارة القتل ، فإن أظهر القولين أنه لا يجب ، وإن ذكره الله في كفارة الظهار ، لأن هذا إنما هو إثبات الحكم ، لا صفة . وكذلك إيجاب غسل الأعضاء الأربعة في الوضوء مع الاقتصار على عضوين في التيمم . فإن الإجماع منعقد على أنه لا يحمل إطلاق التيمم على تقييد الوضوء ليستحق تيمم الأربعة لما فيه من إثبات حكم لم يذكر ، وحمل المطلق على المقيد يختص بالصفة .

قال الماوردي : ولهذا حملنا إطلاق اليدين في التيمم على المرافق ، لتقييد ذلك في الوضوء لأن ذكر المرفق صفة ، وذكر الرأس والرجلين أصل . وممن ذكر هذا الشرط القفال الشاشي ، والشيخ أبو حامد ، وتبعه [ ص: 22 ] الماوردي ، والروياني ، ونقله المازري عن الأبهري من المالكية أيضا . لكن في تمثيل القفال والماوردي بالتيمم إلى المرافق نظر ، لأنه إثبات أصل ، إذ هو عضو زائد ، لا وصف . ولذلك لم يرد المطلق إلى تقييدها بعدد ، وقد منع أصحابنا دعوى الحنفية كون التقييد زيادة على النص ، ولا يتجه منع كونه زيادة إلا عند كون الزيادة وصفا ، أما إذا كانت ذاتا مستقلة ، فهي زيادة قطعا .

ونقل الماوردي في باب القضاء خلافا في هذه المسألة ، فجزم بما ذكرناه ، ثم نقل عن ابن خيران من أصحابنا أن المطلق يحمل على المقيد في الأصل أيضا ، فإنه تعالى ذكر الإطعام في كفارة الظهار ، ولم يذكره في كفارة القتل ، فيحمل عليها . قال : وفي هذا إثبات أصل بغير أصل . ا هـ . ومن صور المسألة أن الأصح في مذهبنا أن المحرم إذا قتل صيدا ، واختار من الخصال إخراج الطعام ، أنه يفرقه على ثلاثة مساكين فصاعدا ، لأنه أمر بإعطائه إلى جمع في قوله تعالى : { أو كفارة طعام مساكين } وأقله ثلاثة ، مع أنه ورد في كفارة الإتلاف في الحج إعطاؤها لجمع مقيدا بكونهم ستة لكل مسكين نصف صاع ، ولم يحملوا ذلك المطلق في الجمع على هذا المقيد ، وما ذاك إلا لأن في حمله زيادة أجرام وهي ثلاثة مساكين وإلا فلم لا يحمل ؟

الشرط الثاني : أن لا يكون للمطلق إلا أصل واحد كاشتراط العدالة في الشهود على الرجعة والوصية ، وإطلاق الشهادة في البيوع وغيرها ، فهي شرط في الجميع ، وكذا تقييده ميراث الزوجين بقوله : { من بعد وصية توصون بها أو دين } وإطلاقه الميراث فيما أطلق فيه ، وكان ما أطلق من المواريث كلها بعد الوصية والدين . فأما إذا كان المطلق دائرا بين قيدين متضادين نظر ، فإن كان السبب [ ص: 23 ] مختلفا لم يحمل إطلاقه على أحدهما إلا بدليل ، فيحمل على ما كان القياس عليه أولى ، أو ما كان دليل الحكم عليه أقوى ، ذكر هذا الشرط الأستاذ أبو منصور ، والشيخ أبو إسحاق في " اللمع " وإلكيا . وحكى القاضي عبد الوهاب فيه الاتفاق ، وليس كذلك . فقد حكى القفال الشاشي فيه خلافا لأصحابنا ، ولم يرجح شيئا .

وممن ذكره الماوردي في باب الكفارات ، ومثله بالصيام في كفارة اليمين ، فإن في وجوب تتابعه قولين ، أصحهما المنع ، لأنه دائر بين قيدين : أحدهما يوجب التتابع ، وهو صوم الظهار كما في قوله تعالى : { فصيام شهرين متتابعين } والآخر ، يوجب التفرقة ، وهو صوم التمتع في قوله : { فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم } وليس حمله على أحدهما أولى من حمله على الآخر . فترك على إطلاقه ، فيكون مخيرا بين التتابع فيه والتفريق ، كقضاء رمضان ، لما أطلق ، وهو بين هذين القيدين حمل على إطلاقه . ا هـ . وتبعه الروياني في مواضع منها : كفارة اليمين ، قال : هذا مما سبق إليه الشافعي ، ولم يسبق فيه .

ومثله بعضهم بغسل اليدين في الوضوء ، فإنه ورد مقيدا بالمرافق ، وقطعها في السرقة مقيد بالكوع بالإجماع ، ومسحهما في التيمم ورد مطلقا ، فهل يلحق بالقطع أو بالغسل ؟ هذا مأخذ الخلاف . قال : والأصح حمله على ما هو أشبه به من المقيدين ، فيلحق بالغسل ، لأن التيمم بدله . وقال إلكيا : يجب الوقف ، إذ لا قياس . فإن غلب أحد الشيئين تحقق القياس .

وقال صاحب " المعتمد " وتبعه في " المحصول " : إن من لا يرى تقييد المطلق بالمقيد أصلا ، لا يقيده هنا بأحدهما ، ومن يرى التقييد من اللفظ لا يراه أيضا ، لأنه ليس بأن يقيد بأحدهما أولى من الآخر ; وأما من يراه [ ص: 24 ] بالقياس فألحقه بأحدهما إذا كان القياس عليه أولى من القياس على الآخر . ا هـ .

وعلى هذا فقيل يحمل على الكفارة في الظهار والقتل ، لأنها أقرب إليه في القياس لاشتراكهما في الكفارة ، بخلاف واجب التتابع ، ولذلك كان للشافعي في كفارة اليمين في المسألة قولان : الجديد عدم وجوب التتابع وهذا البناء فيه نظر ، والأقرب أن القولين إنما جاء في وجوب التتابع من أجل أن القراءة الشاذة حيث لم تجر مجرى التفسير ، ولم يعارضها خبر ، هل يجب العمل بها أم لا ؟ وما ذكروا من وجوب التفريق في التمتع ليس بين الأيام كلها ، بل بين الثلاثة والسبعة ، وإن كان السبب واحدا كما في حديث الولوغ ، فإنه روي : إحداهن ، وأولاهن ، وأخراهن ، فالمطلق على إطلاقه ; إذ ليس إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر ، والقياس هنا متعذر ، فيتعارضان ، وبقي المطلق على إطلاقه ، ونقول بجواز التعفير في كل واحدة من المرات عملا برواية إحداهن المطلقة . هكذا ذكره الأصوليون . ومنهم صاحب " المحصول " وبه أجاب القرافي عن اعتراض أورده بعض قضاة الحنفية على الشافعية . فإن قاعدتهم حمل المطلق على المقيد ، فكان ينبغي : أولاهن ، لورود إحداهن وأولاهن ، فأجابه القرافي ، بأنه قد عارض رواية أولاهن رواية أخراهن ، يريد بذلك ، { وعفروه الثامنة بالتراب } . ويرجع إلى أصل الإطلاق . وما ذكره القرافي ممنوع ، لأنا لا نسلم البقاء على الإطلاق ، بل يحمل عليهما على معنى التخيير ، ومنع إجزاء المتوسط ، فلا يجوز أن يكون التراب إلا في الأولى أو في الأخيرة دون ما سواهما ، حملا للمطلق على المقيدين المذكورين على طريق البدل ، وعلى ذلك نص الشافعي في " البويطي " [ ص: 25 ] وذكره المرعشي من أصحابنا وغيره . والعجب من قول الشيخ في " شرح الإلمام " في رواية : أولاهن أو أخراهن : الأقرب أنه شك من الراوي ، فإنا لا نعلم أحدا يقول بتعين الأولى أو الأخيرة فقط ، بل إما بتعين الأولى أو التخيير بين الجميع . ا هـ .

وقيل : بل على هذا ينبغي إيجاب كل منهما : الأولى والأخيرة لورود الحديث فيهما ، ولا تنافي في الجمع بينهما ، اللهم إلا أن يراد بالثامنة التعدد لا الأخيرة ، فإنه حينئذ يكون مطلقا كإحداهن ، وتكون رواية إحداهن ، والثامنة واحدة . ومعنى رواية أولاهن يعود أصل السؤال ، ومنهم من رده بأن رواية : أخراهن مساوية لإحداهن ، فيبقى قيد وهو أولاهن فيحمل المطلق حينئذ عليه . وهذا مردود ، لأن أخراهن مؤنث آخر - بكسر الخاء - ، لا مؤنث آخر - بفتحها - ، وذاك لا يضاف ، وهاهنا قد وقع مضافا ، فعلم أنه مؤنث آخر ، فجاء القيدان . ومنهم من رده بأن شرط التعارض تساوي الروايات وعدم وجود الترجيح في أحدها ، فأما إذا وجد ذلك وجب العمل بالراجح وإطراح المرجوح ، لامتناع إسقاط الراجح بمعارضة المرجوح . ذكره الشيخ في " شرح الإلمام " . واعلم أن هذا السؤال لازم للحنفية ، فإنهم يحملون المطلق على المقيد إذا اتفق السبب والحكم ، وهو هاهنا كذلك . ويناظر هذا السؤال سؤالان آخران : أحدهما : أن أبا حنيفة قال : لا يجري التحالف بين المتبايعين ، إلا إذا [ ص: 26 ] كانت السلعة قائمة ، أما إذا كانت تالفة فالقول قول المشتري ، وعندنا يتحالفان مطلقا ، مع أنه روي عنه عليه السلام أنه قال : { إذا اختلف المتبايعان تحالفا } . وروي زيادة : ( والسلعة قائمة ) فلم لا حمل المطلق على المقيد مع اتحاد القاعدة ؟ وجوابه : أنه ورد التقييد بقيد آخر مضاد للقيد السابق ، وهو قوله : { إذا اختلف المتبايعان والمبيع مستهلك فالقول قول البائع } . رواه الدارقطني . فرجعنا إلى أصل الإطلاق . وأيضا فالقيدان ضعيفا الإسناد . وقول الغزالي في المأخذ ما يرويه أصحابنا من التقييد بالهلاك أجمع أهل الحديث على صحته : باطل .

الثاني : أن في كتاب فريضة الصدقة في فريضة الإبل : { فإن زادت على العشرين ومائة } وهو مطلق في الزيادة ، وجاء مقيدا في حديث ابن عمر : ( فإن زادت واحدة ) فلا ينبغي أن يجب في مائة وعشرين وبعض واحدة إلا ما يجب في مائة وعشرين فقط . وهذا السؤال إنما يرد على الإصطخري القائل بوجوب ثلاث بنات لبون فيما إذا زادت بعض واحدة . والصحيح أنه إنما يجب حقتان ، وفاء بحمل المطلق على المقيد ، فاندفع السؤال . تنبيه

حيث قلنا بأصل الإطلاق في الصورة المذكورة فيجب حمل [ كل ] واحد من المقيدين على تقييده . قاله الماوردي والروياني في باب القضاء . قالا : فأما حمله على مقيد نظيره ، فينظر في صفتي التقييد فيهما ، فإن تنافى الجمع بينهما لم يحمل أحدهما على الآخر ، واختص كل واحد بصفته التي قيد بها ، [ ص: 27 ] وذلك مثل تقييد كفارة الظهار بالتتابع ، وصوم التمتع بالتفريق ، فلا يمكن الجمع بين التتابع والتفريق ، فيخص كل واحد منهما بصفة ، وإن أمكن اجتماع الصفتين ولم يتنافيا ففي حمل كل واحد منهما على تقييد نظيره وجهان : أحدهما : لا يحمل إلا على ما قيد به ، إذا قلنا المطلق لا يحمل على المقيد إلا بدليل .

والثاني : يحمل على تقييده وتقييد نظيره بنظير كل واحد منهما مقيدا بالصفتين ، إذا قلنا : يجوز حمل المطلق على المقيد ، فعلى هذا يجوز أن يحمل ما أطلق من جنسهما على تقيدهما معا ، ويصير كل واحد منهما من النصوص الثلاثة المتجانسة مقيدا بشرطين . ا هـ .

الشرط الثالث : أن يكون في باب الأوامر والإثبات ، وأما في جانب النفي والنهي فلا ، فإنه يلزم منه الإخلال باللفظ المطلق مع تناول النهي . وهو غير سائغ . ذكره الآمدي وابن الحاجب . قال : لا خلاف في العمل بمدلولهما والجمع بينهما ، لعدم التعذر فإذا قال : لا تعتق مكاتبا ، لا تعتق مكاتبا كافرا ، لم يعتق مكاتبا كافرا ولا مؤمنا أيضا إذ لو أعتقه لم يعمل فيهما ، لكن صاحب " المحصول " سوى بين الأمر والنهي في الحمل ، ورد عليه القرافي بمثل ما ذكره الآمدي .

وأما الأصفهاني فتبع صاحب " المحصول " وقال : حمل المطلق على المقيد لا يختص بالأمر والنهي ، بل يجري في جميع أقسام الكلام ، نقول في الخبر : جاءني رجل من آل علي ، ثم تقول : جاءني بقية العلويين . ومثال التمني : ليت لي مالا ثم تقول : ليت لي جملا فإنه يحمل عليه . [ ص: 28 ] قال : وإنما خص الأئمة الكلام بالأمر والنهي للحاجة إليهما في معرفة الأحكام الشرعية ، ولأنه إذا تحقق الأمر والنهي سهل تعديته إلى بقية أقسام الكلام . ا هـ . وخالف في ذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في كتابه في الأصول ، فقال : فما كان في حكم واحد ، كان أحدهما مبنيا على الآخر ، كقوله عليه السلام : { لا نكاح إلا بولي وشاهدين } ، مع قوله : { لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل } .

ثم قال : وتحقيقه أن الجمع بين الألفاظ الواردة في الشريعة واجب على الثاني فما كان مكررا منه كان للتأكيد ، وما كان مفردا كان مستعملا على الترتيب . فإذا روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله : { لا نكاح إلا بولي وشاهدين } ، وروي عنه : { لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل } جمع بين الروايتين ، فكان قوله الأول المطلق داخلا في الثاني ، وحمل على التكرار ، واستعمل أحدهما مع الوصف . ا هـ .

وقد يقال : لا يتصور توارد المطلق والمقيد في جانب النفي ولا النهي ، وما ذكروه من المثال إنما هو من قبيل إفراد بعض مدلول العام بحكم ، وفيه ما تقدم من خلاف أبي ثور ، فلا وجه لذكره هاهنا . وقد خرجه الهندي على أن مفهوم الصفة حجة أم لا ؟ فمن أنكره لم يخصص ، ومن قال به ، خصص النهي العام به . وممن ذكر هذا الشرط ابن دقيق العيد وشرطه أيضا في حمل العام على الخاص ، ومثله بحديث : { لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه } ، وجاء في رواية : ( وهو يبول ) فالأولى مطلقة ، والثانية مقيدة ، لكن في تقييده بحالة [ ص: 29 ] البول تنبيه على رواية الإطلاق ، وأولى لأنه إذا كان النهي عن المس باليمين حالة الاستنجاء مع مظنة الحاجة إليها فغيره من الحالات أولى . ومن العلماء من خصص النهي بمس الذكر بحالة البول أخذا بظاهر الحديث . ومنهم من أخذ بالنهي عن مسه مطلقا أخذا بالإطلاق .

ثم قال : وينظر إن كانا حديثين فالمعنى على ما ذكرناه ، ويقدم أحدهما على الآخر ، وإن كان حديثا واحدا ، ومخرجه واحد ، واختلف عليه الرواة ، فينبغي حمل المطلق على المقيد ، ويكون زيادة من عدل ، وهي مقبولة عند الأصوليين والمحدثين . وهذا أيضا يكون بعد النظر في دلالة المفهوم ، وما يعمل به منه ، وما لا يعمل به ، وبعد أن ينظر في تقديم المفهوم على ظاهر العموم .

ثم قال الشيخ في موضع آخر : وهذا كله مبني على ما يقوله بعضهم من أن العام في الذوات مطلق في الأحوال والأزمنة ، وأما على ما نختار نحن من العموم في الأحوال تبعا للعموم في الذوات ، فهو من باب العام والخاص . انتهى . وبهذا يسهل جعل هذه الصورة من باب المطلق والمقيد .

تنبيه

سبق في باب العموم خلاف في أن التخصيص هل يدخل في الخبر كما في الأمر والنهي أو لا ؟ وينبغي جريان هذا الخلاف هنا حتى يشترط على قول كونهما من باب التكليف لا من باب الخبر . ا هـ .

الشرط الرابع : [ لا ] أن يكون في جانب الإباحة ، ذكره ابن دقيق العيد أيضا في الكلام على لبس المحرم الخف . وقال : إن المطلق لا يحمل على المقيد في جانب الإباحة إذ لا تعارض بينهما ، وفي المطلق زيادة . انتهى . وفيه نظر .

[ ص: 30 ] الشرط الخامس : أن لا يمكن الجمع بينهما ، فإن أمكن تعين إعمالهما ، فإنه أولى من تعطيل ما دل عليه أحدهما : ذكره ابن الرفعة في " المطلب " في الأصول والثمار . ومثاله حديث ابن عمر : { من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع } ، وجاء في رواية : { من ابتاع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع } . فإن الرواية الأولى تقتضي أن بعض العبيد لا يكون له مال ، فيكون الإضافة فيه للتمليك ، والمال فيه محمول على ما يملكه السيد إياه ، وليس كل عبد يملكه السيد مالا . والثانية تشمل كل عبد ، فكانت الإضافة فيها إضافة تخصيص لا تمليك ، فيحمل على ثيابه التي عليه ، لأن كل عبد لا بد له من ثياب يختص بها . قال : فهذه الرواية مطلقة ، تنزل على ما ذكرناه . وهو أولى من تقييدها بحالة تمليك السيد المال له . قال : ولا يحمل المطلق على المقيد هنا لأن الجمع ممكن .

الشرط السادس : أن لا يكون المقيد ذكر معه قدر زائد يمكن أن يكون القيد لأجل ذلك القدر الزائد . فلا يحمل المطلق على المقيد هنا قطعا ، مثاله : إن قتلت ، فأعتق رقبة ، مع : إن قتلت مؤمنا فأعتق رقبة مؤمنة ، فلا يحمل المطلق هناك على المقيد هنا في المؤمنة ، لأن التقييد هنا إنما جاء للقدر الزائد ، وهو كون المقتول مؤمنا .

واعلم أن مذهبنا أن الردة لا تحبط العمل إلا بشرط الوفاة على الكفر ، وعند أبي حنيفة تحبط بمجرد الردة ، واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } وأما قوله : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } فمطلق ، قيدت به الآية السابقة . هكذا قالوا ، وفيه نظر لما في القيد من القدر الزائد ، وهو الخلود في النار . وأيضا فليست الآيتان من باب المطلق والمقيد ، بل من باب العام والخاص ، فنعمل الخاص ، على أن الآية التي تمسك بها الحنفية مقيدة ، وهو قوله تعالى : [ ص: 31 ] { وهو في الآخرة من الخاسرين } فبين أن المراد من مات على الكفر ، لأن من مات مؤمنا لا يكون في الآخرة خاسرا ، فالمراد في الآيتين التقييد ، وليس فيهما مطلق ومقيد ، على أن الشافعي نص في " الأم " على أن الردة بمجردها تحبط العمل ، وإن لم تتصل بالموت ، على معنى ذهاب الأجر .

الشرط السابع : أن لا يقوم دليل يمنع من التقييد ، مثاله قوله تعالى : { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } الآية . فلم يقيد بالدخول ، وقيد به في عدة الطلاق بقوله : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة } ولم يحملوا المطلق هناك على المقيد لقيام المانع ، وهو أن تقييد المطلق أو تخصيص العام إنما يكون بقياس أو مرجح ، وهو هنا منتف لأن المتوفى عنها زوجها أحكام الزوجية باقية في حقها بدليل أنها تغسله ، وترث منه اتفاقا . ولو كانت في حكم المطلقات البوائن لم ترث ، فلما ظهر في الفرع ما يقتضي عدم إلحاقه بالأصل امتنع التقييد بالقياس أو التخصيص به . .

التالي السابق


الخدمات العلمية