صفحة جزء
[ ص: 55 ] مسألة

قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } الآية ، تمسك بها الشافعي في قسم الصدقات على الثمانية الأصناف . فإن ظاهر الآية التمليك ، والواو العاطفة للجمع والتشريك . فيجب اشتراك الجميع في ملك هذا المال الذي هو الصدقة . وخالف مالك ، ورأى أن اللام فيها للاستحقاق ، وبيان المصرف ، لا للملك والتشريك فيه ، لأن المقصود دفع الحاجة ، بدليل سياق الآية ، فإنه سبحانه ذكر أولا من ليس أهلها بقوله : { ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون } فإنها مصرحة بأن من لا يستحق الصدقة طلبها ، فأجيب بقوله : { إنما الصدقات } الآية ، أي ليس الطالب لها مستحقا ، وإنما المستحق لها هذه الأصناف المذكورة . ولا يلزم من كونهم مستحقين أن يشتركوا ، بل اللازم من ذلك أن لا تخرج عنهم ، وتوزيعها عليهم بحسب اجتهاد الإمام ، فإنه مأمور بأخذها ممن وجبت عليه ، وتفريقها لمن يراه من المستحقين ، ودل عليه قوله عليه السلام : { خذ صدقة من أغنيائهم وترد على فقرائهم } ولم يذكر له غير صنف . قال أصحابنا : المقتصر على الإعطاء لصنف واحد معطل لا مؤول .

وقال الشافعي ما حاصله : ثم إن الحاجة ليست مرعية في بعض الأصناف المذكورين كالعاملين ، فإنهم يأخذونها لا من جهة حاجتهم ، وكالغارمين بسبب حمالة يحملونها لإصلاح ذات البين ، فقد بطل التعويل على الحاجة . [ ص: 56 ] وقد نقل الغزالي أن منع الشافعي الحكم لقصور الإبياري في " شرح البرهان " وقال : اللام في " { للفقراء } " إما أن تكون للتمليك ، أو للأهلية والانتفاع ، كالجل للفرس ، فإن كان المراد الملك صح ما قاله الشافعي ، وإلا فلا ، لاشتراك الكل في الأهلية وصحة التصرف . قال : وهذا هو المختار ، فيخرج الكلام بهذا التقرير عن مراتب النصوص . فإما أن نقول إنه مشترك بين الجهتين ، مفتقر إلى البيان في الحالين ، فيكون كل واحد مفتقرا إلى الدليل ، أو نسلم ظهور ما قالوه ، فتخرج المسألة عن تعطيل النصوص ، ويكون من التأويلات المقبولة التي يحتاج من صار إليها إلى دليل يعضده . والجواب : أن أصل اللام للملك ، والله تعالى كما راعى الحاجة راعى من يصلح ذات البين ، ومن يغرم ، وكل من يعمل عملا يعود نفعه على المسلمين غنيا كان أو فقيرا ترغيبا في ذلك الفعل ; ثم تجويز الدفع إلى الغارم الغني ينافي كون المقصود الحاجة .

ومنها : تأويل مالك " الاستجمار " في قوله صلى الله عليه وسلم : { ومن استجمر فليوتر } على البخور ، وهو خلاف الظاهر من سياق الحديث ، فإنه جمع كثيرا من أحكام الطهارة . ولهذا لما سمعه منه الأعرابي استنكره . حكى ذلك المازري .

ومنها : تأويله النهي عن الجلوس على القبر بالتغوط والبول عليه ، ويعضده رواية مسلم : { لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جسده خير له من أن يجلس على قبر } . [ ص: 57 ]

ومنها : تأويله قوله صلى الله عليه وسلم : { إن من البيان لسحرا } أنه قصد به الذم ، والجمهور على أنه قصد به المدح . وسياق الحديث يقتضيه ، وأطلق عليه اسم السحر لأن مبنى علم البيان التخييل . .

التالي السابق


الخدمات العلمية