صفحة جزء
تنبيه [ العقل مدرك للحكم لا حاكم ] إدراك الحكم الشرعي في القياس أو دخول الفرع الخاص تحت القاعدة الكلية ، وإن كان بالعقل ، فالمراد به أن العقل مدرك للحكم ، لا أنه حاكم ، وكذلك ترتب النتيجة بعد المقدمتين حكم شرعي أدركه العقل ، ولا يقال : أوجبه [ ص: 194 ] وقد أطلق الشافعي في " المختصر " القول بتعصية الناجش ، وهو الذي يزيد في السلعة لا لغرض بل ليخدع غيره . وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه العلم بورود النهي عنه . فقال الشارحون : السبب في ذلك أن النجش خديعة ، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد ، وإن لم يعلم فيه خبر بخصوصه ، والبيع على بيع الأخ إنما عرف من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر . وذكر بعضهم أن تحريم الخداع يعرف بالعقل ، وإن لم يرد شرع . قال الرافعي في " شرح الوجيز " : وهذا ليس من معتقدنا . انتهى .

وإذا فهمته على أن العقل يدرك تحريم الخداع من غير استقلال في ذلك لم يبق اعتراض ، ومن فروع هذا الأصل عدم صحة إسلام الصبي عندنا ; لأن صحته فرع تقدم الإلزام به ، ولا إلزام مع الصبي شرعا . وقال أبو حنيفة : يصح بناء على أن العقل يوجب على الصبي والبالغ . ثم المعتمد في إبطال الحسن والقبح عدم وجوب رعاية المصالح والمفاسد بأن يقال : خلق العالم إما أن يكون لمصلحة ، أو لا ، فإن كان ، فقد أجرى الله تعالى فعل المصالح دهورا لا نهاية لها ، وإن لم يكن كان خلقه عريا عن المصالح ، فإن الله تعالى لا يجب أن يكون تصرفه ملزوما للمصالح ، أو لا تكون رعايتها واجبة ، وإذا تقرر عدم وجوبها فلا يجب في العقل أن الله يربط أحكامه فيها [ ص: 195 ] بل يجوز ذلك ويقتضيه ، فبطل قاعدة التحسين والتقبيح ; لأن وجوب ربط الأحكام بالمصالح والمفاسد عقلا هو عين الحسن والقبح العقليين ، وقد فرع الأصحاب على هذا الأصل مسألتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية