[ المسألة ] الأولى [ 
شكر المنعم   ] شكر المنعم : وهو الثناء عليه بذكر آلائه وإحسانه حسن قطعا بضرورة العقل . وأما وجوبه فإنما يكون بالشرع ولا يجب عقلا عندنا ، وعندهم أنه يجب عقلا لكنه وجوب استدلال لا ضروري ، ووافقهم على ذلك جماعة من أصحابنا الأقدمين منهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=12847أبو العباس بن القاص  ، 
وأبو بكر القفال الشاشي  ، 
وأبو عبد الله الزبيري  وأبو الحسين بن القطان  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=14667وأبو بكر الصيرفي    . فقال 
الزبيري    : العبادات من قبل السمع لا ترد إلا على ثلاثة أوجه : ضرب يرد بإيجاب ما تقدم في العقل وجوبه ، كالإيمان بالله وشكر المنعم ، والثاني : يرد بحظر ما تقدم في العقل وجوبه كالكفر بالله . والثالث : يرد لما في العقل جواز مجيئه ، كالصلوات ، والزكوات والحج ، والصوم  
[ ص: 196 ] وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12847ابن القاص  في كتاب " أدب الجدل " : الأشياء في العقل على ثلاثة أضرب : فضرب أوجبه العقل ، وضرب نفاه ، وضرب أجازه وأجاز خلافه ، فما أوجبه العقل فهو واجب كشكر المنعم ومعرفة الصانع . قال : فأما الضربان الأولان فحجة الله فيهما قائمة على كل ذي لب قبل مجيء الشرع وبعده ، ولا يجيء سمع إلا مطابقا . ا هـ . وقال 
أبو الحسن بن القطان    : لا خلاف أن ما كان للعقل فيه حكم أنه ما كان عليه مثل شكر المنعم ونحوه . ا هـ . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال  في " محاسن الشريعة " في كتاب الصلاة : والعقول تدل على وجوب شكر المنعم . ونقله 
الأستاذ أبو إسحاق  في " شرح كتاب الترتيب " عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=12535وابن أبي هريرة  منا " قال " وكان ذلك مذهب 
الصيرفي  ورجع عنه . قال : ولم يخالفوا أصولنا في غير هذا الموضع ، ووافقونا في باقي المسائل ، وقال في موضع آخر : القول بوجوبه باطل في قول أكثر أصحابنا من 
المتكلمين  والفقهاء . وجماعة من أصحابنا الفقهاء لما نظروا إلى أسئلة 
المعتزلة  وإيجاب الشكر بمجرد العقل اعتقدوا أن شكر المنعم ومعرفة حدوث العالم ، وأن له محدثا ، وأن له منعما أنعم عليه كلها واجب بالعقل قبل الشرع ، وهم 
 nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي  وأبو علي بن أبي هريرة  وأبو بكر القفال    . قال : 
وأبو علي السقطي يعني الطبري ويعرف بابن القطان  كان صاحب 
 nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة  وكان يدق عليه في هذا الفصل  
[ ص: 197 ] قال : وحكى 
 nindex.php?page=showalam&ids=14636أبو سهل الصعلوكي  أن 
أبا علي بن أبي هريرة  وقع إلى 
أبي الحسن يعني الأشعري    - 
وأبو الحسن  كلمه في هذا الفصل ، ولم ينجع منه . فقال 
أبو الحسن  لأبي علي  أنت تشنؤني : أي تبغضني . قال : فوقعت بينه وبين 
الشيخ أبي الحسن    . قال 
أبو سهل    : وكنا نتعصب 
للشيخ أبي الحسن  فمضينا وقعدنا على رأس القنطرة التي كانت على طريق 
 nindex.php?page=showalam&ids=12535ابن أبي هريرة  ، وهي قنطرة 
ببغداد  يقال لها : الصراة وكنا ننتظره لننتفع به ، وأما 
 nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي  ، فقد وقع إلى 
الشيخ أبي الحسن  ولح معه في هذه المسألة . فقال له 
أبو الحسن    : أبجد تقول : إن الكائنات كلها بإرادة الله تعالى خيرها وشرها ؟ قال : نعم . فقال 
أبو الحسن  إذا كانت العلة في إيجاب شكر المنعم أنه لا يأمن أن يكون المنعم الذي خلقه قد أراد منه الشكر ، فقد يجوز أن يريد منه أن لا يشكره ; لأنه مستغن عن شكره . 
فإما أن يعتقد أنه لا يريد ما ليس بحسن كما قالت 
المعتزلة  ، وإما أن لا تأمن أنه قد أراد منك 
ترك شكر المنعم ، وإذا شكرته عاقبك فلا يجب عليك شكر المنعم لهذا الجواز . فترك 
 nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي  هذا المذهب ورجع عنه ، وأما 
أبو علي  وأبو بكر القفال  فلم يثبت عنهم الرجوع عن هذه المقالة . قلت : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14703الطرطوشي  في " العمد " : هذا مذهب 
أهل السنة  قاطبة  
[ ص: 198 ] إلا ثلاثة رجال تلعثموا في هذا الأصل في أول أمرهم ثم رجعوا عنه إلى الحق ، وهم : 
 nindex.php?page=showalam&ids=14667أبو بكر الصيرفي  ، 
وأبو العباس القلانسي  ، 
وأبو بكر القفال    . ثم قال الأستاذ : كانت 
المعتزلة  والأوائل منهم على أن وجوب شكر المنعم معلوم بالنظر ، كما قال بعض الفقهاء من أصحابنا ، فصاروا كلهم في آخرهم إلى أنه معلوم ضرورة ، وإلزامات وردت عليهم . انتهى كلامه ، وقد تضمن فوائد جليلة . 
وقال في موضع آخر : قصد الأوائل من أصحابنا بقولهم : إنا لا نعرف القبح والعدل ، والظلم إلا بالشرع فقط مخالفة 
المعتزلة  في قولهم : ما قبحه العقول لا يرد الشرع بتحسينه ، لا أنا لا نعرف معاني هذه الألفاظ قبل الشرع من اللغة ، بل نعرفها قبل الشرع ونعلم تواطؤهم على التقبيح والتحسين في أشياء نعرفها ، واختلافهم في أشياء أخرى ، وأن عقلاءهم حكموا كذلك . قال : ومن قال : إنا لا نعرف مقاصدهم بهذه الألفاظ قبل الشريعة لم يتمكن من الكلام فيها والمناظرة مع الخصوم . فإنه متى جرى في كلامه أن الشرع يقبحه أو يحسنه منعه منه . فقال : أي شيء تعني بالتحسين والتقبيح وأنت لا تعرفه حتى يرد الشرع ؟ فيتعذر الكلام عليه . قال : وأول ما ورد 
أبو عمرو البسطامي  بنيسابور  حضر بعض مجالس الكلام لبعض العلوية ، فسئل عن هذه المسألة . فقال : لا أعرف الحسن والقبح قبل الشريعة . فأورد عليه هذا السؤال فالتبك فيه  
[ ص: 199 ] وتخبط ولم يمكنه الخروج منه . ثم قال : يكون الفرق بيننا في قولنا : إنما نعرف معاني هذه الألفاظ وبين قول 
المعتزلة  إنا نقول ما قضى العقل بقبحه جاز أن ترد الشريعة باستحسانه ا هـ . 
وقال الأستاذ 
أبو منصور البغدادي  في كتاب " التحصيل " : وكان 
أبو العباس القلانسي   nindex.php?page=showalam&ids=14667وأبو بكر الصيرفي  ، من أصحابنا يقولان بوجوب شكر المنعم ووجوب الاستدلال على معرفته ومعرفة صفاته من جهة العقل قبل ورود الشرع ، ثم إن 
الصيرفي  ناظر 
الأشعري  في ذلك ، واستدل على وجوب شكر المنعم بالعقل بوجوب الاحتراز مما يخاف منه الضرر . قال : فإذا خطر ببال العاقل أنه لا يأمن أن يكون له صانع قد أنعم عليه وأراد منه الشكر على نعمه والاستدلال على معرفته لزمه الشكر والمعرفة . فقال له 
الأشعري    : هذا الاستدلال ينافي أصلك ; لأنك استدللت على وجوب شكر المنعم بإمكان أن يكون المنعم قد أراد ذلك ، وإرادة الله لا تدل على وجوبه ; لأنه سبحانه قد أراد حدوث كل ما علم حدوثه من خير وشر وطاعة ومعصية ، ولا يجوز أن يقال بوجوب المعاصي ، وإن أراد الله عز وجل حدوثها . فعلم 
الصيرفي  منافاة استدلاله على مذهبه ورجع إلى القول بالوقف قبل الشرع . ا هـ . زاد 
 nindex.php?page=showalam&ids=14703الطرطوشي  أنه صنف كتابا سماه " الاستدراك " رجع فيه عن قوله الأول . وقيل : إنه ألحق بحاشية الكتاب : نحن وإن كنا نقول بشكر المنعم فإنما نقوله عند ورود الشرع  
[ ص: 200 ] قال : وكذا 
 nindex.php?page=showalam&ids=15024القلانسي  كان يقول به ، ثم لما تحقق له ما فيه من التهافت رجع عنه .