صفحة جزء
مسألة [ أحكام الشرع ثابتة إلى يوم القيامة ] كل حكم ثبت لنا بقول الله أو بقول رسوله أو بإجماع أو قياس فهو دائم إلى يوم القيامة ، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ينزل عيسى ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية } فقيل : يضعها عليهم بعد أن يرفعها ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام ، واستشكل بأنه نزل مقررا لشريعة نبينا ومن شريعته إقرارهم بالجزية ، وقيل : بل من شريعته في ذلك الوقت عدم التقرير ، لا يصح ; لأن شريعته ما أتى بها وهو قبل شرع الجزية ، وقضيته بقاؤه إلى يوم القيامة لما سلف .

[ ص: 218 ] وفي الباب حديث رواه أبو القاسم الطبراني في معجمه : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح البصري حدثنا نعيم بن حماد المروزي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أنتم في زمان من ترك عشر ما أمر به هلك ، وسيأتي عليكم زمان من عمل بعشر ما أمر به نجا } وهذا الحديث تفرد به عن [ ص: 219 ] سفيان نعيم بن حماد المروزي ، وكان يقول : هذا الحديث ينكرونه علي ، وإنما كنت مع سفيان فمر يمشي فأنكره ، ثم حدثني به ، وحكى العباس بن مصعب أن نعيما هذا ناقض محمد بن الحسن ووضع ثلاثة عشر كتابا في الرد على الجهمية . وخرج إلى مصر وأقام بها نيفا وأربعين سنة ، ثم حمل إلى العراق مع البويطي في امتحان القرآن مقيدين فمات نعيم في الحبس بسر من رأى سنة تسع وعشرين ومئتين . ونقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال : يحدث للناس في كل زمان من الأحكام ما يناسبهم

، وقد يتأيد هذا بما في البخاري عن عائشة أنها قالت : لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثته النساء بعده لمنعهن [ ص: 220 ] من المساجد ، وقول عمر بن عبد العزيز يحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور أي يجددون أسبابا يقضي الشرع فيها أمورا لم تكن قبل ذلك ; لأجل عدمه منها قبل ذلك ، لا لأنها شرع مجدد . فلا نقول : إن الأحكام تتغير بتغير الزمان بل باختلاف الصورة الحادثة . وقال الشيخ نجم الدين البالسي : وكنت أنفر من هذا القول ، وأعلل فساده بأن صاحب الشرع شرع شرعا مستمرا إلى قيام الساعة مع علمه بفساد الأمر فيهم . ثم رأيت في " النهاية " قد قرر ما في نفسي ، فقال قدس الله روحه : لو كانت قضايا الشرع تختلف باختلاف الناس وتناسخ العصور لانحل رباط الشرع . قال : ولما ذكر صاحب التقريب " مقالات الأصحاب في التعزير ، روي الحديث في نفي الزيادة على عشرة أسواط ، ثم قال : ولو بلغ الشافعي لقال به . انتهى . [ ص: 221 ]

وقد أكثر الروياني في " الحلية " من اختيارات خلاف مذهب الشافعي ويقول : في هذا الزمان . وقال العبادي في فتاويه " : الصدقة أفضل من حج التطوع في قول أبي حنيفة ، وهي تحتمل في هذا الزمان . وأفتى الشيخ عز الدين بالقيام للناس ، وقال : لو قيل بوجوبه في هذه الأزمنة لما كان بعيدا ، وكل ذلك فإنما هو استنباط من قواعد الشرع لا أنه خارج عن الأحكام المشروعة . فاعلم ذلك فإنه عجيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية