صفحة جزء
ومراتب الاستدلال بالسكوت تختلف ، فأقوى ما يكون منه إذا كان صاحب الواقعة جاهلا بأصل الحكم في الشيء ولم يكن من أهل الاستدلال { كالأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد أحرم وعليه الجبة فقال : انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وسكت عن الكفارة } فدل على سقوطها عن الجاهل والساهي ، ولو كانت واجبة لذكرها ، إذ لم يكن يجوز إهمال ذكرها تعويلا على معرفة الله بالحكم ، ودون هذا في المرتبة خبر الأعرابي المجامع في شهر رمضان فكان قوله : ( افعل كذا ) دليلا على أنه يجزئ عنه وعن زوجته . وإنما كان هذا أضعف من دلالة الخبر الأول ; لأن السائل في هذا الخبر قد أنبأ عن علته ، فإنه ارتكب معصية ، لقوله : { هلكت وأهلكت } ، وإذا كان المبتلى بالحادثة من أهل الاستدلال كان دليل السكوت فيه أوهى وأضعف . [ ص: 223 ] وأما قول الشافعي فيما خرج عن السبيلين : ذكر الله الأحداث في كتابه ، ولم يذكر هذا { وما كان ربك نسيا } فإن قوما من أصحابنا تعلقوا به أنه إنما رده إلى سقوط التكليف إلا بدليل ، وليس الأمر كذلك عند عامة الأصحاب ، وإنما وجهه ومعناه أن المتطهر على طهارته ، ولا ينتقض وضوءه إلا بحدث وما لم تقم دلالة على الحدث فأصل الطهر كاف فيه ، وقد قال عليه السلام : { لا ينصرف حتى يسمع صوتا } ومن احتج بقوله : { وما سكت عنه فهو عفو } فليس بجيد ; لأنه لا يمكن إجراؤه على عمومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية