صفحة جزء
مسألة السنة المستقلة بتشريع الأحكام ولهذا لم يفرد إمام الحرمين السنة عن الكتاب . وقال : كل ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى ، فلم يكن لذكر فصل بين الكتاب والسنة معنى ، ونص الشافعي في " الرسالة " على أن السنة منزلة كالقرآن محتجا [ ص: 7 ] بقوله تعالى : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة } فذكر السنة بلفظ التلاوة كالقرآن ، وبين سبحانه أنه آتاه مع الكتاب غير الكتاب ، وهو ما سنه على لسانه مما لم يذكره فيه ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : { ألا إني قد أوتيت الكتاب ومثله معه } رواه أبو داود ، وفي بعض طرقه أنه قال : { دخل يوم خيبر لما حرم لحوم الحمر } . قال الحافظ الدارمي : يقول : { أوتيت القرآن ، وأوتيت مثله } من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه ، وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به ، كتحريم لحم الحمار الأهلي ، وكل ذي ناب من السباع ، وليسا بمنصوصين في الكتاب . وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن ، فقال الشافعي في " الرسالة " : ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير ، وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع ، وضعته الزنادقة . [ ص: 8 ] قال ابن عبد البر في كتاب جامع بيان العلم " : قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا حديث : { ما أتاكم عنيفا عرضوه على كتاب الله ، فإن وافق كتاب الله فأنا قلته ، وإن خالف فلم أقله } . قال الحافظ : وهذا لا يصح ، وقد عارضه قوم ، وقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه : لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب ، بل وجدنا فيه الأمر بطاعته ، وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال . انتهى .

وقال ابن حبان في صحيحه في قوله صلى الله عليه وسلم : { بلغوا عني ولو آية } : فيه دلالة على أن السنة يقال فيها : آي . وقال الشافعي في " الرسالة " في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم : قال تعالى : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه كالحج والصلاة والزكاة لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها ، ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات ، وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية