صفحة جزء
[ ص: 15 ] العصمة من الصغائر ] وأما الصغائر : التي لا تزري بالمناصب ، ولا تقدح في فاعلها ، ففي جوازها خلاف من حيث السمع مبني أولا على ثبوت الصغيرة في نفسها ، فمن نفاها كالأستاذ أبي إسحاق من حيث النظر إلى مخالفة أمر الآمر ، فلا تجوز عنده عليهم . والعجب أن إمام الحرمين في " الإرشاد " وافق الأستاذ على منع تصور الصغائر في الذنوب وخالفه هنا ، والصحيح تصورها .

واختلف القائلون به ، هل تجوز عليهم ؟ وإذا جازت ، فهل وقعت منهم أم لا ؟ ونقل إمام الحرمين وإلكيا عن الأكثرين الجواز عقلا . قال ابن السمعاني : وأما السماع فأباه بعض المتكلمين ، والصحيح صحة وقوعها منهم ، وتتدارك بالتوبة . ا هـ . ونقل إمام الحرمين ، وابن القشيري عن الأكثرين عدم الوقوع . قال : وأولوا تلك الآيات ، وحملوها على ما قبل النبوة ، وعلى ترك الأولى . وقال إمام الحرمين : الذي ذهب إليه المحصلون أنه ليس في الشرع قاطع في ذلك نفيا وإثباتا ، والظواهر مشعرة بالوقوع . ونسب الإبياري لمذهب مالك الوقوع في الجملة ، والقائلون بالجواز قالوا : لا يقرون عليه . ونقل القاضي عياض تجويز الصغائر ووقوعها عن جماعة من السلف ، ومنهم أبو جعفر الطبري ، وجماعة من الفقهاء والمحدثين . وقال في الإكمال : إنه مذهب جماهير العلماء ، ولا بد من تنبيههم عليه ، إما في الحال على رأي [ ص: 16 ] جمهور المتكلمين ، أو قبل وفاتهم على رأي بعضهم .

والمختار امتناع ذلك عليهم ، وأنهم معصومون من الصغائر والكبائر جميعا ، وعليه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وأبو بكر بن مجاهد ، وابن فورك ، كما نقله عنهما ابن حزم في كتابه " الملل والنحل " وقال : إنه الذي ندين الله به . واختاره ابن برهان في " الأوسط " . ونقله في " الوجيز " عن اتفاق المحققين ، وحكاه النووي في " زوائد الروضة " عن المحققين . وقال القاضي الحسين في أول الشهادات من تعليقه : إنه الصحيح من مذهب أصحابنا ، وإن ورد فيه شيء من الخبر حمل على ترك الأولى ، وقال القاضي عياض : على ما قبل النبوة ، أو فعلوه بتأويل ، وهو قول أبي الفتح الشهرستاني ، والقاضي عياض ، والقاضي أبي محمد بن عطية المفسر فقال عند قوله تعالى : { واجعلنا مسلمين } : الذي أقول به أنهم معصومون من الجميع ، وأن قول الرسول : { إني لأتوب في اليوم وأستغفر سبعين مرة } ، إنما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها لمزيد علومه واطلاعه على أمر الله ، فهو يتوب من المنزلة الأولى إلى الأخرى ، والتوبة هنا لغوية . واختار الإمام فخر الدين العصمة منها عمدا ، وجوزها سهوا ، [ ص: 17 ] ونقل القاضي عياض عن بعض أئمتهم أنه على القولين تجب العصمة من تكرار الصغائر ; لالتحاقها حينئذ بالكبائر . ونقل الإجماع على العصمة عن الصغيرة المفضية للخسة وسقوط المروءة والحشمة . قال : بل المباح إذا أدى إلى ذلك كان معصوما منه ، ونقل عن بعضهم أنه أوجب العصمة عند قصد المكروه .

التالي السابق


الخدمات العلمية