صفحة جزء
القول : في أحكام المتحيرة إنما يطلق هذا الاسم على ناسية عادتها في الحيض قدرا ووقتا ، وتسمى أيضا محيرة - بكسر الياء - لأنها حيرت الفقيه في أمرها وقد ألف الدارمي في أحكامها مجلدة واختصرها النووي . فالأصح - وبه قطع الجمهور - أنها تؤمر بالاحتياط ، وبيان ذلك بفروع :

الأول : يحرم على زوجها وسيدها وطؤها بكل حال لاحتمال الحيض . في وجه : لا يحرم ; لأنه يستحق الاستمتاع فلا نحرمه بالشك .

[ ص: 249 ] فعلى الأول : لو وطئ عصى ولا يلزمه التصدق بدينار على القديم ; لأنا لم نتيقن الوطء في الحيض وما بين سرتها وركبتها كحائض ، وعلى الزوج نفقتها ويقسم لها ، ولا خيار له في فسخ النكاح لأن جماعها ليس ميئوسا عنه بخلاف الرتقاء . قال الأذرعي : ولو اعتقد الزوج إباحة الوطء ، فالظاهر أنه ليس لها المنع .

الثاني : يحرم عليها المسجد كالحائض . قال في شرح المهذب : إلا المسجد الحرام فإنه يجوز دخوله للطواف المفروض وكذا المسنون في الأصح ولا يجوز لغيرها .

الثالث : يحرم عليها قراءة القرآن خارج الصلاة ، واختار الدارمي جوازها ، وأما في الصلاة : فقراءة الفاتحة وكذا غيرها في الأصح .

الرابع : يجوز تطوعها بالصلاة والصوم والطواف في الأصح ; لأن النوافل من مهمات الدين وفي منعها تضييق عليها ولأنها مبنية على التخفيف وقيل : يحرم لأن حكمها كالحائض وإنما جوز لها الفرض للضرورة ولا ضرورة هنا وقيل يجوز الراتبة وطواف القدوم دون النفل المطلق .

الخامس : يجب عليها الغسل لكل فرض إذا لم تعلم وقت انقطاعه ، فإن علمته كعند الغروب ، وجب كل يوم عقب الغروب وبشرط وقوع الغسل في وقت الصلاة لأنها طهارة ضرورة ولا يشترط المبادرة بالصلاة بعده على الصحيح فيهما .

السادس : يجب عليها أداء الصلاة والصوم لوقتهما ، مع قضاء الصوم أيضا ، اتفاقا ومع قضاء الصلاة ، على ما صححه الشيخان وصحح الإسنوي خلافه ونقله عن نص الشافعي وتقضي الطواف أيضا إذا فعلته .

السابع : لا يجوز أن يقتدى بها طاهرة ولا متحيرة لاحتمال مصادفة الحيض ، فأشبه صلاة الرجل خلف الخنثى . الثامن : ليس لها الجمع بين الصلاتين تقديما ; لأن شرطه تقدم الأولى وهي صحيحة يقينا ، أو بناء على أصل ولم يوجد هنا .

التاسع : لو أفطرت لحمل أو رضاع خوفا على الولد ، فلا فدية على الصحيح لاحتمال الحيض ، والأصل براءتها .

العاشر : يجب عليها طواف الوداع ولو تركته فلا دم عليها لما ذكر ، قاله الروياني .

الحادي عشر : عدتها بثلاثة أشهر في الحال ولا تؤمر بانتظار سن اليأس على الصحيح هذا إذا لم تحفظ دورها ، فإن حفظته اعتدت بثلاثة أدوار سواء كانت أكثر من ثلاثة أشهر أم أقل . [ ص: 250 ]

الثاني عشر : استبراؤها ، قال البلقيني لم يتعرضوا له في الاستبراء وتعرضوا له في العدة وهو من المشكلات ، فإنها وإن كان لها حيض وطهر ، إلا أن ذلك غير معلوم فنظر إلى الزمان والاحتياط المعروف في عدتها فإذا مضت ، خمسة وأربعون يوما ، فقد حصل الاستبراء ، وبيان ذلك : أن يقدر ابتداء حيضها في أول الشهر مثلا ، فلا يحسب الحيض فإذا مضت خمسة عشر يوما طهرا ثم بعد ذلك خمسة عشر يوما حيضة كاملة ، فقد حصل الاستبراء .

الثالث عشر : هل يجوز نكاحها لخائف العنت إذا كانت أمة ، لم أر من تعرض له والظاهر المنع لأن وطأها ممتنع شرعا فلا تندفع الحاجة بها . وهل يجوز نكاح الأمة لمن عنده متحيرة ; الظاهر المنع أيضا لأنها ليست ميئوسا من جماعها بخلاف الرتقاء ويحتمل الجواز .

التالي السابق


الخدمات العلمية