صفحة جزء
القول في الدين اختص بأحكام الأول : جواز الرهن به فلا يصح بالأعيان المضمونة بحكم العقد كالمبيع والصداق أو بحكم اليد ، كالمغصوب والمستعار والمأخوذ على جهة السوم أو بالبيع الفاسد .

[ ص: 328 ] وفي وجه ضعيف : يجوز كل ذلك ، لكن في فتاوى القفال : لو وقف كتابا وشرط أن لا يعار إلا برهن اتبع شرطه وقال السبكي في تكملة شرح المهذب : فرع حدث في الأعصار القريبة وقف كتب ، يشترط الواقف أن لا تعار إلا برهن أو لا تخرج من مكان تحبيسها إلا برهن ، أو لا تخرج أصلا .

والذي أقول في هذا أن الرهن لا يصح بها ; لأنها عين مأمونة في يد موقوف عليه . ولا يقال لها عارية أيضا ، بل الآخذ لها إن كان من الوقف استحق الانتفاع ويده عليها يد أمانة ، فشرط أخذ الرهن عليها فاسد ، وإن أعطاه كان رهنا فاسدا ويكون في يد خازن الكتب أمانة ; لأن فاسد العقود في الضمان كصحيحها ، والرهن أمانة .

هذا إذا أريد الرهن الشرعي ، وإن أريد مدلوله لغة ، وأن يكون تذكرة فيصح الشرط ; لأنه غرض صحيح ، وإذا لم يعلم مراد الواقف ، فيحتمل أن يقال بالبطلان في الشرط المذكور حملا على المعنى الشرعي ويحتمل أن يقال بالصحة حملا على اللغوي وهو الأقرب تصحيحا للكلام ما أمكن .

وحينئذ لا يجوز إخراجها بدونه ، وإن قلنا : ببطلانه لم يجز إخراجها به لتعذره ولا بدونه ، إما ; لأنه خلاف شرط الواقف وإما لفساد الاستثناء فكأنه قال : لا تخرج مطلقا ، ولو قال ذلك ، صح ; لأنه شرط فيه غرض صحيح ; لأن إخراجها مظنة ضياعها . بل يجب على ناظر الوقف أن يمكن كل من يقصد الانتفاع بتلك الكتب في مكانها وفي بعض الأوقات يقول : لا تخرج إلا بتذكرة وهذا لا بأس به ولا وجه لبطلانه وهو كما حملنا عليه قوله " إلا برهن " في المدلول اللغوي ، فيصح .

ويكون المقصود : أن تجويز الواقف الانتفاع لمن يخرج به مشروط بأن يضع في خزانة الوقف ما يتذكر هو به إعادة الموقوف ، ويتذكر الخازن به مطالبته فينبغي أن يصح هذا . ومتى أخذه على غير هذا الوجه الذي شرطه الواقف ، فيمتنع ولا نقول : بأن تلك التذكرة تبقى رهنا ، بل له أن يأخذها ، فإذا أخذها طالبه الخازن برد الكتاب ، ويجب عليه أن يرده أيضا بغير طلب . ولا يبعد أن يحمل قول الواقف " الرهن " على هذا المعنى حتى يصحح إذا ذكره بلفظ الرهن ; تنزيلا للفظ على الصحة ما أمكن . وحينئذ يجوز إخراجه بالشرط المذكور ويمتنع بغيره ولكن لا يثبت له أحكام الرهن ولا يستحق منعه ، ولا بدل الكتاب الموقوف ، إذا تلف بغير تفريط ، ولو تلف بتفريط [ ص: 329 ] ضمنه ولكن لا يتعين ذلك المرهون لوفائه ، ولا يمتنع على صاحبه التصرف فيه انتهى .

الثاني : صحة الضمان بها أداء .

فأما الأعيان ، فإن لم تكن مضمونة على من هي في يده ، كالوديعة والمال في يد الشريك والوصي والوكيل ، فلا يصح ضمانها قطعا وإن كانت مضمونة صح ضمان ردها على المذهب ولا يصح ضمان قيمتها لو تلفت على الصحيح ; لأنها قبل التلف غير واجبة .

الثالث قبول الأجل فلا يصح تأجيل الأعيان ولو قال : اشتريت بهذه الدراهم على أن أسلمها في وقت كذا : لم يصح ; لأن الأجل شرع رفقا للتحصيل ، والمعين حاصل .

فوائد :

الأولى : ليس في الشرع دين لا يكون إلا حالا ، إلا رأس مال السلم وعقد الصرف ، والربا في الذمة ، والقرض وكل مال متلف قهري والأجرة في إجارة الذمة ، وفرض القاضي مهر المثل على الممتنع في المفوضة ، وعقد كل نائب أو ولي لم يؤذن له في التأجيل لفظا أو شرعا ، وليس فيه دين لا يكون إلا مؤجلا ، إلا الكتابة والدية ، وليس فيه دين يتأجل ابتداء بغير عقد إلا في الفرض للمفوضة إذا تراضيا .

الثانية ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض مكلف بصير ، إلا في صورتين : الأولى : إذا خالعها على طعام في الذمة وأذن في صرفه لولده منها والأخرى : النفقة التي في الذمة ، إذا أنفق على زوجة صغيرة أو مجنونة بإذن الولي ، برئ ، وإن لم يقبض المكلف .

الثالثة الأجل : لا يحل قبل وقته إلا بموت المديون . ومنه : موت العبد المأذون وقتل المرتد وباسترقاقه إذا كان حربيا وبالجنون على ما وقع في الروضة ، والأصح خلافه . ويستثنى من الموت : المسلم الجاني ولا عاقلة له ، تؤخذ الدية من بيت المال مؤجلة ولا تحل بموته ، ولو اعترف وأنكرت العاقلة ، أخذت منه مؤجلة فلو مات لم تحل في وجه ، ولو ضمن الدين مؤجلا ومات ، لم يحل في وجه والأصح فيهما الحلول . [ ص: 330 ] ولا تحل بموت الدائن بلا خلاف ، إلا في صورة على وجه . وهي : ما إذا خالعها على إرضاع ولده منها ، وعلى طعام وصفه في ذمتها ، وذكر تأجيله وأذن في صرفه للصبي ، ثم مات المختلع وكذا يحل بموت الصبي على وجه . ولا يحل بموت ثالث غير الدائن والمدين ، على وجه إلا في هذه الصورة .

الرابعة الحال لا يتأجل إلا في مدة الخيار ، وأما بعد اللزوم فلا . واستثنى الروياني والمتولي : ما إذا نذر أن لا يطالبه إلا بعد شهر أو أوصى بذلك . قال البلقيني : والتحقيق لا استثناء ، فالحلول مستمر ، ولكن امتنع الطلب لعارض ، كالإعسار . على أن صورة النذر استشكلت ، فإنه إن كان معسرا فالإنظار واجب . والواجب : لا يصح نذره ، أو موسرا قاصدا للأداء لم يصح ; لأن أخذه منه واجب . ولا يصح إبطال الواجب بالنذر .

وقيد في المطلب مسألة الوصية بأن تخرج من الثلث ، لقولهم في البيع بمؤجل : يحسب كله من الثلث إذا لم يحل منه شيء قبل موته .

تذنيب :

قال في الرونق : الأجل ضربان : أجل مضروب بالشرع وأجل مضروب بالعقد فالأول : العدة والاستبراء والهدنة واللقطة والزكاة والعنة والإيلاء والحمل والرضاع والخيار والحيض والطهر والنفاس واليأس والبلوغ ومسح الخف والقصر .

والثاني أقسام : أحدها : ما لا يصح إلا بالأجل ، وهو الإجارة والكتابة .

والثاني : ما يصح حالا ومؤجلا .

والثالث : ما يصح بأجل مجهول ولا يصح بمعلوم ، وهو الرهن والقراض والرقبى ، والعمرى .

والرابع : ما يصح بهما ، وهو العارية الوديعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية