صفحة جزء
اعلم أن الأصل في المتلفات ضمان المثل بالمثل ، والمتقوم بالقيمة ، وخرج عن ذلك صور تعرف مما سنذكره .

والحاصل أن المضمونات أنواع : الأول الغصب : فالمثل في المثلي ، والقيمة في المتقوم ، لا أعلم فيه خلافا [ ص: 357 ]

الثاني الإتلاف بلا غصب ، وهو كذلك ، وخرج عنهما صور :

أحدها - المثلي الذي خرج مثله عن أن تكون له قيمة ، كمن غصب أو أتلف ماء في مفازة ، ثم اجتمعا على شط نهر ، أو في بلد أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعا في الشتاء ، فليس للمتلف بدل المثل بل عليه قيمة المثل في مثل تلك المفازة ، أو في الصيف .

ثانيها - الحلي . أصح الأوجه : أنه يضمن مع صنعته بنقد البلد وإن كان من جنسه ، ولا يلزم من ذلك الربا ; لأنه يجري في العقود ، لا في الغرامات .

ثالثها - الماشية إذا أتلفها المالك كلها بعد الحول ، وقبل إخراج الزكاة فإن الفقراء شركاؤه ، ويلزمه حيوان آخر ، لا قيمته جزم به الرافعي ، وغيره بخلاف ما لو أتلفها أجنبي .

رابعها - طم الأرض ، كما جزم به الرافعي .

خامسها - إذا هدم الحائط ، لزمه إعادته لا قيمته كما هو مقتضى كلام الرافعي وأجاب به النووي في فتاويه ، ونقله عن النص .

سادسها - اللحم ، فإنه يضمن بالقيمة . كما صححه الرافعي وغيره في باب الأضحية مع أنه مثلي .

سابعها - الفاكهة ; فإنها مثلية ، على ما اقتضاه تصحيحهم في الغصب .

والأصح : أنها تضمن بالقيمة .

ثامنها - لو صار المتقوم مثليا بأن غصب رطبا ، وقلنا : إنه متقوم ، فصار تمرا وتلف . قال العراقيون : يلزمه مثل التمر وقال الغزالي : يتخير بين مثل التمر ، وقيمة الرطب وقال البغوي : إن كان الرطب أكثر قيمة : لزمه قيمته ، وإلا لزمه المثل قال السبكي : وهو أشبه وبقي صور متردد فيها منها : لو سجر التنور ليخبز فصب عليه آخر ماء أطفأه ففيه أوجه ، حكاها الزبيري في المسكت ، وغيره أحدها - يلزمه قيمة الحطب وليس ما غصب ولا قيمته ; لأنه غصب خبزا وما أشبه هذا القول بما حكم به سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام في قصة [ ص: 358 ] صاحب الغنم التي أكلت زرع الرجل ، فحكم سيدنا داود عليه السلام لصاحب الزرع برقاب الغنم .

فقال سليمان : بل ينتفع بدرها ، ونسلها ، وصوفها إلى أن يعود الزرع كما كان بإصلاح صاحب الغنم ، فيردها إليه وذلك معنى قوله تعالى { ففهمناها سليمان } والثاني - عليه أن يسجر التنور ، ويحميه كما كان .

والثالث - عليه قيمة الجمر والرابع - عليه الخبز واستشكل الأول بأنه لم يستهلك الحطب وإنما أتلف الجمر بعد خروجه فهو كمن أحرق ثوبا ليتخذ رماده حراقا فأتلفه رجل ، لا تجب عليه قيمة الثوب قبل الإحراق .

والثالث - بأنه الجمر لا قيمة له معروفة ولا يكال ولا يوزن . قال الزبيري : والأقرب وجوب قيمة الجمر ; لأن له قيمة .

ومنها : لو برد ماء في يوم صائف فألقى فيه رجل حجارة محماة فأذهب برده ففي وجه - لا شيء عليه ; لأنه ماء على هيئته وتبريده ممكن وفي آخر - يأخذه المتعدي ويضمن مثله باردا . وفي ثالث - ينظر إلى ما بين القيمتين في هذه الحالة ويضمن التفاوت ، ذكره الزبيري أيضا .

قلت : أحسنها الثالث ، ومنها : لو بل خيشا لينتفع به فأوقد آخر تحته نارا حتى نشف قيل لا شيء عليه سوى الإثم .

وقيل : عليه قيمة الماء الذي بل به وقيل : بل قيمة الانتفاع به مدة بقائه باردا قال الزبيري : وهذا أعدلها النوع الثالث المبيع إذا تقايلا وهو تالف وفيه المثل في المثلي والقيمة في المتقوم ، جزم به الشيخان الرابع الثمن إذا تلف ورد المبيع بعيب أو غيره ، فيه المثل في المثلي والقيمة في المتقوم جزما به أيضا .

[ ص: 359 ] الخامس اللقطة : إذا جاء مالكها بعد التملك ، وهي تالفة فيها المثل في المثلي ، والقيمة في المتقوم ، جزما به أيضا السادس المبيع : إذا تخالفا وفسخ ، وهو تالف : أطلق الشيخان وجوب القيمة فيه ، فشمل المثلي وغيره ، وهو وجه صححه الماوردي والمشهور كما قال في ، المطلب : وجوب المثل في المثلي السابع المقبوض بالشراء الفاسد إذا تلف ، أطلق الشيخان وجوب القيمة فيه ، فيشمل المثلي وغيره ; وهو وجه صححه الماوردي وادعى الروياني : الاتفاق عليه وقال في المهمات : إنه غريب مردود والذي نص عليه الشافعي وجوب المثل في المثلي قال : وهو القياس .

وقال في شرح المنهاج : " إنه الصحيح ، وسبقه إلى ذلك السبكي الثامن القرض ، وفيه : المثل بالمثلي وكذا في المتقوم على الأصح . واستثنى الماوردي نحو الجوهر ، والحنطة المختلطة بالشعير إن جوزنا فرضهما ، فإنهما يضمنان بالقيمة ، وصوبه السبكي .

التاسع : ما أداه الضامن عن المضمون عنه ، حيث ثبت الرجوع ، فإن حكمه حكم القرض - حتى يرجع في مثل المتقوم صورة .

العاشر : العارية - : أطلق الشيخان وجوب القيمة فيها ، فشمل المتقوم والمثلي ، وصرح بذلك الشيخ في المهذب والماوردي وجزم ابن أبي عصرون في كتبه كلها بوجوب المثل في المثلي . وقال في بعضها إنه أصح الطريقين وصححه السبكي .

[ ص: 360 ] تنبيه :

المستعار للرهن يضمن في وجه ، حكاه الرافعي عن أكثر الأصحاب : بالقيمة وفي وجه ، وصححه جماعة ، وصوبه النووي في الروضة : بما بيع به ، ولو كان أكثر من القيمة ، فيستثنى ذلك من ضمان العارية بالقيمة .

الحادي عشر : المستام ، وفيه القيمة مطلقا .

الثاني عشر : المعجل في الزكاة : إذا ثبت استرداده ، وهو تالف ، وفيه المثل ، أو القيمة جزم به الشيخان ، لكن صحح السبكي : أنه يضمن بالمثل ، وإن كان متقوما الثالث عشر الصداق : إذا تشطر ، وهو تالف : وفيه المثل ، أو القيمة جزم به الشيخان .

الرابع عشر : إذا تشطر وهو معيب فأطلق الشيخان وجوب نصف القيمة سليما قال في المهمات : هذا في المتقوم .

أما المثلي : ففيه نصف المثل صرح به ابن الصباغ وجزم به في المطلب .

الخامس عشر : الصيد إذا تلف في الحرم أو الإحرام ، وفيه المثل صورة ، والقيمة فيما لا مثل له وسلب العامل في صيد حرم المدينة على القديم ، واختاره النووي .

السادس عشر : لبن المصراة وفيه التمر ، لا مثله ، ولا قيمته . قال بعضهم : ليس لنا شيء يضمن بغير النقد ، إلا في مسألتين .

إحداهما - لبن المصراة ، والأخرى : إذا جني على عبد فعتق ، ومات ضمن للسيد الأقل من الدية ، ونصف القيمة من إبل الدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية