صفحة جزء
[ ص: 18 ] الأمر الثالث : مما يترتب على ما شرعت النية لأجله .

وهو التمييز اشتراط التعرض للفرضية وفي وجوبها في الوضوء ، والغسل ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والخطبة ، وجهان ، والأصح اشتراطها في الغسل دون الوضوء ; لأن الغسل قد يكون عادة ، والوضوء لا يكون إلا عبادة .

ووجه اشتراطها في الوضوء أنه قد يكون تجديدا ، فلا يكون فرضا ، وهو قوي وفي الصلاة دون الصوم ; لأن الظهر تقع مثلا نفلا كالمعادة ، وصلاة الصبي ، ورمضان ، لا يكون من البالغ إلا فرضا فلم يحتج إلى التقييد به .

وأما الزكاة ، فالأصح الاشتراط فيها إن أتى بلفظ الصدقة ، وعدمه إن أتى بلفظ الزكاة ; لأن الصدقة قد تكون فرضا وقد تكون نفلا فلا يكفي مجردها ، والزكاة لا تكون إلا فرضا لأنها اسم للفرض المتعلق بالمال ، فلا حاجة إلى تقييدها به . وأما الحج والعمرة فلا يشترط فيهما بلا خلاف لأنه لو نوى النفل انصرف إلى الفرض ، ويشترط في الكفارات بلا خلاف لأن العتق أو الصوم أو الإطعام يكون فرضا ونفلا .

إذا عرفت ذلك ; فقول ابن القاص في التلخيص : لا يجزي فرض بغير نية فرض إلا في ثلاثة : الحج ، والعمرة ، والزكاة . يزاد عليه : والوضوء والصوم فتصير خمسة ، وسادس : وهو الجماعة فإنها فرض ، ولا يشترط في نيتها الفرضية . وسابع وهو الخطبة إن قلنا باشتراط نيتها وبعدم فرضيتها . وإن شئت قلت : العبادات في التعرض للفرضية على أربعة أقسام : ما يشترط فيه بلا خلاف ، وهو الكفارات : ما لا يشترط فيه بلا خلاف ، وهو الحج والعمرة والجماعة . وما يشترط فيه على الأصح ، وهو الغسل والصلاة والزكاة بلفظ الصدقة . وما لا يشترط فيه على الأصح ، وهو الوضوء والصوم والزكاة بلفظها والخطبة .

تنبيهات الأول :

لا خلاف أن التعرض لنية الفرضية في الوضوء أكمل ، إذا لم نوجبه ، وفيه إشكال إذا وقع قبل الوقت ، بناء على أن الوضوء لا يجب بالحدث .

وجوابه : أن المراد بها فعل طهارة الحدث المشروطة في صحة الصلاة ، وشرط الشيء يسمى فرضا من حيث إنه لا يصح إلا به ، ولو كان المراد حقيقة الفرضية ، لما صح وضوء الصبي بهذه النية .

الثاني : يختص وجوب نية الفرضية في الصلاة بالبالغ ، أما الصبي فنقل في شرح المهذب عن الرافعي أنه كالبالغ ، ثم قال إنه ضعيف والصواب أنه لا يشترط [ ص: 19 ] في حقه نية الفرضية وكيف ينويها وصلاته لا تقع فرضا ؟

الثالث : من المشكل ما صححه الأكثرون في الصلاة المعادة أن ينوي بها الفرض مع قولهم بأن الفرض أولى ، ولذلك اختار في زوائد الروضة وشرح المهذب قول إمام الحرمين : إنه ينوي للظهر أو العصر مثلا ولا يتعرض للفرض . قال في شرح المهذب : وهو الذي تقتضيه القواعد والأدلة . وقال السبكي : لعل مراد الأكثرين أنه ينوي إعادة الصلاة المفروضة ، حتى لا يكون نفلا مبتدأ .

الرابع : لا يكفي في التيمم نية الفرضية في الأصح : فلو نوى فرض التيمم أو التيمم المفروض أو فرض الطهارة لم يصح ، وفي وجه يصح كالوضوء ، قال إمام الحرمين : والفرق أن الوضوء مقصود في نفسه ولهذا استحب تجديده ، بخلاف التيمم .

قلت : والأولى أن يقال : إن التمييز لا يحصل بذلك ; لأن التيمم عن الحدث والجنابة فرض ، وصورته واحدة ، بخلاف الوضوء والغسل ، فإنهما يتميزان بالصورة .

وإنما قلت هذا ليتخرج على قاعدة التمييز ، كما قال الشيخ عز الدين : إنما شرعت النية في التيمم ، وإن لم يكن متلبسا بالعادة ، لتمييز رتبته ، فإن التيمم عن الحدث الأصغر عين التيمم عن الأكبر ، وهما مختلفان .

الخامس : لا يشترط في الفرائض تعيين فرض العين بلا خلاف وكذا صلاة الجنازة لا يشترط فيها نية فرض الكفاية على الأصح ، والثاني يشترط ، لتتميز عن فرض العين .

التالي السابق


الخدمات العلمية