صفحة جزء
فصل يدخل في هذه القاعدة : تفريق الصفقة . وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال .

ويجري في أبواب وفيها غالبا قولان ، أو وجهان : أصحهما الصحة في الحلال ، والثاني : البطلان في الكل . وادعى في المهمات : أنه المذهب واختلف في علته .

فالصحيح : أنها الجمع بين الحلال والحرام فغلب الحرام وقيل : الجهالة بما يخص الملك من العوض .

ومن أمثلة ذلك في البيع : أن يبيع خلا وخمرا ، أو شاة وخنزيرا ، أو عبدا وحرا ، أو عبده وعبد غيره ، أو مشتركا بغير إذن شريكه ، أو مال الزكاة قبل إخراجها ، أو الماء الجاري مع قراره ، أو غير الجاري ، وقلنا : الماء لا يملك . والأظهر الصحة في القدر المملوك بحصته من المسمى .

ومنها : أن يهب ذلك ، كما صرح به في التتمة ، فيما إذا وهب عبدا فخرج بعضه مستحقا أن يرهنه ، أو يصدقه ، أو يخالع عليه .

وفي النكاح : أن يجمع من لا تحل ، له الأمة : بين حرة وأمة في عقد ، فالأظهر : صحة النكاح في الحرة . وكذا لو جمع في عقد بين مسلمة ووثنية ، أو أجنبية ومحرم أو خلية .

[ ص: 109 ] ومعتدة ، أو مزوجة . وكذا لو جمع من تحل له الأمة بين أمة وأختين ، فإنه يبطل في الأختين وفي الأمة : القولان .

وفي الهدنة : إذا زادت على القدر الجائز . بطلت في الزائد : وفي الباقي : القولان أظهرهما : الصحة .

وفي المناضلة : إذا كانت بين حزبين ، فظهر في أحدهما من لا يحسن الرمي ، بطل العقد فيه . وسقط من الحزب الآخر مقابله وهل يبطل العقد في الباقي : فيه القولان . أصحهما : لا .

وفي الضمان والإبراء : لو قال : ضمنت لك الدراهم التي على فلان ، أو أبرأتك من الدراهم التي عليك ، وهو لا يعلم قدرها ، فهل يصح في ثلاثة ; لأنها القدر المستيقن :

وجهان من تفريق الصفقة . كذا في الروضة وأصلها في الصداق ومقتضاه الصحة .

وذكر المسألة في باب الضمان ، وقالا : وجهان ، كما لو أجر كل شهر بدرهم . وهل يصح في الشهر الأول ومقتضاه تصحيح البطلان ، فإنه الأصح في مسألة الإجارة .

ولو أهدى من له عادة بالإهداء للقاضي ، وزاد على المعتاد قبل الولاية ، ففي أصل الروضة : صارت هديته كهدية من لم تعهد منه الهدية ، ومقتضاه : تحريم الكل .

قال في المهمات : والقياس تخصيص ذلك بما زاد ، وتخريج الباقي على تفريق الصفقة .

وحينئذ فتصير الهدية مشتركة على الصحيح ، فإن زاد في المعنى ، كأن أهدى الحرير بعد أن كان يهدي الكتان ، فهل يبطل في الجميع ، أو يصح فيها بقدر قيمة العادة فيه نظر ، والأوجه : الأول انتهى .

وقال البلقيني : المعتمد اختصاص التحريم بالزيادة ، فإن تميزت ، وإلا حرم الكل . وفي إحياء الموات : لو تحجر الشخص فأكثر مما يقدر على إحيائه ، فقيل : يبطل في الجميع ; لأنه لا يتميز ما يقدر عليه من غيره . وقال المتولي . يصح فيما يقدر عليه . قال في الروضة : وهو قوي .

وفي الوصية : لو أوصى بثلثه لوارث وأجنبي ، بطلت في الوارث . وفي الآخر : وجهان : أصحهما : الصحة .

وألحق بعضهم بذلك : ما إذا أوصى بأكثر من الثلث ، ولا وارث له ، فالمعروف فيه الجزم بالصحة في الثلث .

وفي الشهادات : لو جمع في شهادته بين ما يجوز ، وما لا يجوز ، هل تبطل في الكل ، أو فيما لا يجوز خاصة ، ويقبل فيما يجوز فيه قولا تفريق الصفقة .

ومن أمثلته : لو ادعى بألف : فشهد له بألفين . بطلت في الزائد ، وفي الألف المدعى بها قولا تفريق الصفقة أصحهما : الصحة . [ ص: 110 ]

تنبيه :

ذكروا لجريان الخلاف في تفريق الصفقة شروطا :

الأول : أن لا يكون في العبادات ، فإن كانت فيها ، صح فيما يصح فيه قطعا .

فلو عجل زكاة سنتين ، صح لسنة قطعا .

ولو نوى حجتين : انعقدت واحدة قطعا .

ولو نوى في النفل : أربع ركعات بتسليمتين . انعقدت بركعتين قطعا ، دون الأخيرتين لأنه لما سلم منهما خرج عن الصلاة فلا يصير شارعا في الأخيرتين ، إلا بنية وتكبيرة . ذكره القاضي حسين في فتاويه .

ويستثنى صور : الأولى : لو نوى في رمضان صوم جميع الشهر ، بطل فيما عدا اليوم الأول ، وفيه وجهان ، أصحهما : الصحة .

الثانية : لو نوى التيمم لفرضين ، بطل في أحدهما ، وفي الآخر وجهان . أصحهما : الصحة .

وقد انعكست هذه المسألة على الزركشي ، فقال ، في قواعده : صح لواحد قطعا . وفي الآخر خلاف ، وهو غلط .

الثالثة : ادعى على الخارص الغلط بما يبعد ، لم يقبل فيما زاد على القدر المحتمل . وفي المحتمل : وجهان . أصحهما : القبول فيه .

الرابعة : نوى قطع الوضوء في أثنائه . بطل ما صادف النية قطعا ; وفي الماضي وجهان أصحهما : لا .

قال في الخادم : وهي من مسائل تفريق الصفقة في العبادات .

الخامسة : مسح أعلى الخفين ، وهو ضعيف ، ووصل البلل إلى أسفل القوي ، وقصدهما ، لم يصح في الأعلى ، وفي الأسفل وجهان أصحهما : الصحة .

السادسة : صلى على موتى ، واعتقدهم أحد عشر ، فبانوا عشرة فوجهان في البحر . أصحهما : الصحة

والثاني : البطلان ; لأن النية قد بطلت في الحادي عشر ، لكونه معدوما ، فتبطل في الباقي .

السابعة : صلى على حي وميت ، فالذي يظهر أن يكون فيه وجهان من تفريق الصفقة ، لكن في البحر : إن جهل الحال صحت ، وإلا فلا . كمن صلى الظهر قبل الزوال ، وفيما قاله نظر .

الثامنة : ولم أر من تعرض لها - إذا جاوز الغائط الأليتين ، أو البول الحشفة ، وتقطع فإن الماء يتعين في المجاوز قطعا ، وفي غيره وجهان أصحهما : يجزي فيه الحجر . ذكره [ ص: 111 ] في شرح المهذب ، وجزم به في الكفاية . ونقله القاضي حسين عن النص ، والروياني عن الأصحاب

والثاني : يجب غسل الجميع ، حكاه في الحاوي .

الشرط الثاني : أن لا يكون مبنيا على السراية ، والتغليب ، فإن كان ، كالطلاق ، والعتق بأن طلق زوجته وغيرها ، أو أعتق عبده وغيره ، أو طلقها أربعا ، نفذ فيما يملكه إجماعا

الثالث : أن يكون الذي يبطل فيه معينا بالشخص ، أوالجزئية ، ليخرج ما إذا اشترط الخيار أربعة أيام ، فإنه يبطل في الكل ، ولم يقل أحد بأنه يصح في الثلاثة : وغلط البالسي ، في شرح التنبيه ، حيث خرجها على القولين ، وما إذا عقد على خمس نسوة ، أو أختين معا ، فإنه يبطل في الجميع : ولم يقل أحد بالصحة في البعض ; لأنه ليست هذه بأولى من هذه ، وغلط صاحب الذخائر بتخريجها .

ولو جمع من تحل له الأمة لإعساره بين حرة وأمة في عقد فطريقان : أظهرهما عند الإمام ، وابن القاص أنه على القولين . وقال ابن الحداد وأبو زيد وآخرون : يبطل قطعا لأنه جمع بين امرأتين ، يجوز إفراد كل منهما ، ولا يجوز الجمع ، فأشبه الأختين . والأول فرق بأن الأختين ليس فيهما أقوى . والحرة أقوى .

واستثني من هذا الشرط مسألتا المناضلة ، والتحجر السابقتان فإن الأصح فيهما : الصحة . تخريجا على القولين ، مع أنه لا يتعين الذي يبطل فيه .

الرابع : إمكان التوزيع ، ليخرج ما لو باع مجهولا ومعلوما ومن ذلك : ما لو باع أرضا مع بذر ، أو زرع . لا يفرد بالبيع ، فإنه يبطل في الجميع على المذهب . وقيل : في الأرض القولان .

واستثني من ذلك مسألة بيع الماء مع قراره ، فإن الماء الجاري مجهول القدر .

الخامس : أن لا يخالف الإذن ، ليخرج ما لو استعار شيئا ليرهنه على عشرة فرهنه بأكثر فالمذهب : البطلان في الكل ، لمخالفة الإذن . وقيل : تخرج على تفريق الصفقة

ولو استأجره لينسج له ثوبا ، طوله عشرة أذرع ، في عرض معين ، فنسج أحد عشر لم يستحق شيئا من الأجرة ، أو تسعة فإن كان طول السدى عشرة ، استحق من الأجرة [ ص: 112 ] بقدره ، لأنه لو أراد أن ينسج عشرة لتمكن منه : وإن كان طوله تسعة ، لم يستحق شيئا حكاه الرافعي عن التتمة .

ولو أجر الراهن العين المرهونة مدة تزيد على محل الدين : بطل في الكل على الصحيح . وقيل : بل في القدر الزائد ، وفي الباقي قولا تفريق الصفقة ، واختاره السبكي .

ونظير ذلك : أن يشرط الواقف : أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة مثلا فيزاد ، فأفتى الشيخ ولي الدين العراقي بالبطلان في الكل ، قياسا على مسألة الرهن .

وأفتى قاضي القضاة : جلال الدين البلقيني بالصحة ، في القدر الذي شرطه الواقف . قال له الشيخ ولي الدين : أنت تقول بقول الماوردي في الرهن قال : لا . قال : فافرق . قال : حتى أعطي المسألة كتفا .

قلت : والمسألة ذكرها الزركشي في قواعده . وقال : لم أر فيها نقلا ، والظاهر أنها على خلاف تفريق الصفقة ، حتى يصح في المشروط وحده : وذكرها أيضا الغزي ، في أدب القضاء ، وقال : لا نقل فيها والمتجه : التخريج على تفريق الصفقة ، انتهى .

فائدة : قال الزركشي : مخالفة الإذن على ثلاثة أقسام : مخالفة إذن وصفي ، كمسألة الإعارة للرهن ، ومخالفة إذن شرعي ، كمسألة إجارة المرهون . ومخالفة إذن شرطي ، كمسألة إجارة الوقف المذكورة .

السادس : أن لا يبنى على الاحتياط ، فلو زاد في العرايا على القدر الجائز . فالمذهب : البطلان في الكل : وفي المطلب عن الجويني : تخريجه على القولين .

ولو أصدق الولي عن الطفل أو المجنون ، عينا من ماله أكثر من مهر المثل ، فالمجزوم به في الصداق في أصل الروضة فساد الصداق ، والذي في التنبيه : أنه يبطل الزائد فقط ، ويصح في قدر مهر المثل من المسمى وأقره في التصحيح ، وصححه في أصل الروضة ، في نكاح السفيه ، ثم حكي عن ابن الصباغ : أن القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل من المسمى ، وأن الفرق أنه على قوله : يجب مهر المثل في الذمة ، وعلى الأول : تستحق الزوجة مهر المثل من المسمى .

قال ابن الرفعة : فهذا تناقض ، إذ لا فرق بين ولي الطفل ، وولي السفيه .

وقال السبكي : في تصوير المسألة بين الأصحاب ، وابن الصباغ : نظر : فإن الولي [ ص: 113 ] إن لم يتعرض للمهر ، فالعقد إنما يكون على الذمة ، ولا يصح إلا بمهر المثل ، لا بمسمى غيره ، فلا يتحقق الخلاف .

وإن أذن في عين هي أكثر من مهر المثل فينبغي أن يبطل في الزائد . وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة ، أو هو كبيعه بالإذن عينا من ماله .

قال : ويمكن أن يصور بقوله : انكح فلانة ، وأصدقها من هذا المال ، فأصدق منه أكثر من مهر مثلها ، لكن يأتي فيه الخلاف في إذنه في البيع .

قال : وقد تصور بما إذا لم ينص على المهر ، وعقد على زائد من غير نقد البلد ، فعند ابن الصباغ : يرجع إلى مهر المثل من نقد البلد . وعند غيره : يصح في قدر مهر المثل مما سمي . انتهى .

السابع : أن يورد على الجملة ليخرج ما لو قال : أجرتك كل شهر بدرهم ، فإنه لا يصح في سائر الشهور قطعا ، ولا في الشهر الأول على الأصح .

ولو قال : ضمنت نفقة الزوجة ، فالضمان في الغد ، وما بعده فاسد ، وهل يصح في يوم الضمان ؟ وجهان . أصحهما : لا ، بناء على مسألة الإجارة .

الثامن : أن يكون المضموم إلى الجائز يقبل العقد في الجملة فلو قال : زوجتك بنتي وابني ، أو وفرسي : صح نكاح البنت على المذهب ; لأن المضموم لا يقبل النكاح ، فلغا . وقيل : بطرد القولين .

تنبيه :

كما تفرق الصفقة في المثمن تفرق في الثمن ومثاله : ما قالوه في الشفعة : لو خرج بعض المسمى مستحقا بطل البيع في ذلك القدر ، وفي الباقي خلاف تفريق الصفقة في الابتداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية