صفحة جزء
القاعدة الخامسة تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة هذه القاعدة نص عليها الشافعي وقال " منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم " . قلت : وأصل ذلك : ما أخرجه سعيد بن منصور في سننه . قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : قال عمر رضي الله عنه " إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم ، إن احتجت أخذت منه فإذا أيسرت رددته فإن استغنيت استعففت " .

ومن فروع ذلك أنه إذا قسم الزكاة على الأصناف يحرم عليه التفضيل ، مع تساوي الحاجات . ومنها : إذا أراد إسقاط بعض الجند من الديوان بسبب : جاز ، وبغير سبب لا يجوز حكاه في الروضة .

ومنها : ما ذكره الماوردي أنه لا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماما للصلاة فاسقا ، وإن صححنا الصلاة خلفه ; لأنها مكروهة . وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة ، ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه .

ومنها : أنه إذا تخير في الأسرى بين القتل ، والرق ، والمن والفداء ، لم يكن له ذلك بالتشهي بل بالمصلحة . حتى إذا لم يظهر وجه المصلحة يحبسهم إلى أن يظهر .

ومنها : أنه ليس له العفو عن القصاص مجانا ; لأنه خلاف المصلحة ، بل إن رأى المصلحة في القصاص اقتص ، أو في الدية أخذها .

ومنها : أنه ليس له أن يزوج امرأة بغير كفء ، وإن رضيت ; لأن حق الكفاءة للمسلمين ، وهو كالنائب عنهم ، فلا يقدر على إسقاطه .

ومنها : أنه لا يجيز وصية من لا وارث له بأكثر من الثلث .

ومنها : أنه لا يجوز له أن يقدم في مال بيت المال غير الأحوج على الأحوج .

[ ص: 122 ] قال السبكي في فتاويه ، فلو لم يكن إمام ، فهل لغير الأحوج أن يتقدم بنفسه فيما بينه وبين الله تعالى ، إذا قدر على ذلك ، ملت إلى أنه لا يجوز .

واستنبطت ذلك من حديث { إنما أنا قاسم ، والله المعطي } .

قال : ووجه الدلالة : أن التمليك والإعطاء إنما هو من الله تعالى لا من الإمام ، فليس للإمام أن يملك أحدا إلا ما ملكه الله . وإنما وظيفة الإمام القسمة . والقسمة لا بد أن تكون بالعدل .

ومن العدل : تقدم الأحوج والتسوية بين متساوي الحاجات فإذا قسم بينهما ، ودفعه إليهما علمنا أن الله ملكهما قبل الدفع . وأن القسمة إنما هي معينة لما كان مبهما ، كما هو بين الشريكين ، فإذا لم يكن إمام وبدر أحدهما واستأثر به ، كان كما لو استأثر بعض الشركاء بالماء المشترك ، ليس له ذلك .

قال : ونظير ذلك ما ذكره الماوردي في باب التيمم : أنه لو ورد اثنان على ماء مباح وأحدهما أحوج ، فبدر الآخر وأخذ منه : أنه يكون مسيئا .

ومنها : وقع بعد السبعمائة ببلاد الصعيد أن عبدا انتهى الملك فيه لبيت المال فاشترى نفسه من وكيل بيت المال ، فأفتى جلال الدين الدشناوي بالصحة " فرفعت الواقعة إلى القاضي شمس الدين الأصبهاني فقال : لا يصح ; لأنه عقد عتاقة ، وليس لوكيل بيت المال أن يعتق عبد بيت المال .

قال ابن السبكي في التوشيح : والصواب ما أفتى به الدشناوي ، فإن هذا العتق إنما وقع بعوض ، فلا تضييع فيه على بيت المال .

التالي السابق


الخدمات العلمية