1. الرئيسية
  2. أنوار البروق في أنواء الفروق
  3. الفرق بين قاعدة المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة وقاعدة المعصية التي ليست بكبيرة مانعة من الشهادة
صفحة جزء
( المسألة الأولى )

ما حقيقة الإصرار الذي يصير الصغيرة كبيرة وقع البحث فيه مع جماعة من الفضلاء فقال بعضهم هو أن يتكرر الذنب منه سواء كان يعزم على العود أم لا .

وقال بعضهم إن تكرر من غير عزم لم يكن إصرارا بأن يفعل الذنب أول مرة ، وهو لا يخطر له معاودته لداعية متجددة فيفعله كذلك مرارا فهذا ليس إصرارا ، وتارة يفعل الذنب ، وهو عازم على معاودته فيعاوده بناء على ذلك العزم السابق فهذا هو الإصرار الناقل للصغيرة لدرجة الكبيرة ، ولذلك قال الله تعالى { ولم يصروا على ما فعلوا } ويقال فلان مصر على العداوة أي مصمم بقلبه عليها ، وعلى مصاحبتها ، ومداومتها ، ولا يفهم في [ ص: 68 ] عرف الاستعمال من الإصرار إلا العزم والتصميم على الشيء ، والأصل عدم النقل والتغيير فوجب أن يكون ذلك معناه لغة وشرعا هذا هو الذي ترجح عندي .

( المسألة الثانية ) ما ضابط التكرر في الإصرار الذي يصير الصغيرة كبيرة فإن ذلك ليس فيه نص من الكتاب ولا من السنة قال بعض العلماء ينظر إلى ما يحصل من ملابسة أدنى الكبائر من عدم الوثوق بملابستها في أداء الشهادة والوقوف عند حدود الله تعالى ثم ينظر لذلك التكرر في الصغيرة فإن حصل في النفس من عدم الوثوق ما حصل من أدنى الكبائر كان هذا الإصرار كبيرة تخل بالعدالة ، وهذا يؤكد أنه لا بد فيه من العزم فإن الفلتات من غير أن تستمر لا تكاد تخل بالوثوق نعم قد تدل كثرة التكرار على فرار العزم في النفس ، وبهذا الضابط أيضا يعلم المباح المخل بقبول الشهادة كالأكل في الأسواق ونحوه فإن يصدر منه صدورا يوجب عدم الوثوق به في حدود الله تعالى كان ذلك مخلا [ ص: 69 ]

وذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة والقرائن المصاحبة وصورة الفاعل وهيئة الفعل ، والمعتمد في ذلك ما يؤدي إلى ما يوجد في القلب السليم عن الهواء المعتدل المزاج والعقل والديانة العارف بالأوضاع الشرعية فهذا هو المتعين لوزن هذه الأمور فإن من غلب عليه التساهل في طبعه لا يعد الكبيرة شيئا ، ومن غلب عليه التشديد في طبعه يجعل الصغيرة كبيرة فلا بد من اعتبار ما تقدم ذكره في العقل الوازن لهذه الاعتبارات ، ومتى تخللت التوبة الصغائر فلا خلاف أنها لا تقدح في العدالة ، وكذلك ينبغي إذا كانت من أنواع مختلفة ، وإنما يحصل الشبه واللبس إذا تقررت من النوع الواحد ، وهو موضوع النظر الذي تقدم التنبيه عليه


حاشية ابن الشاط

قال ( المسألة الأولى ما حقيقة الإصرار إلى آخر المسألة )

قلت الإصرار لغة المقام على الشيء والمعاودة له سواء كان ذلك فعلا أو غيره ، لا ما قاله المؤلف ، من أنه العزم والتصميم على الشيء ، وعلى ذلك فالإصرار المصير للصغيرة كبيرة مانعة من قبول الشهادة إنما هو المعاودة لها معاودة تشعر بالجرأة على المخالفة لا المعاودة المقترنة بالعزم عليها لأن العزم مما لا يتوصل إليه لأنه أمر باطن . فإن قيل الجرأة أمر باطن قلت لم اشترط الجرأة بنفسها وإنما اشترطت الإشعار بها وهو مما يدركه من يتأمل أحوال المواقع للمخالفة والله أعلم [ ص: 68 ]

قال ( المسألة الثانية إلى قوله كان هذا الإصرار كبيرة تخل بالعدالة ) قلت ما قاله هذا العالم هو الذي أشرت إليه من الإشعار بالجرأة وهذا كلام صحيح لا ريب فيه قال ( وهذا يؤكد أنه لا بد فيه من العزم فإن الفلتات من غير أن تستمر لا تكاد تخل بالوثوق ) قلت إن أراد أن لا بد من معرفتنا بعزمه فذلك غير صحيح وكذلك إن أراد أن الحالة المشعرة بالجرأة لا تخلو عن الإشعار بالعزم لأنه ربما عاود المخالفة من غير عزم على المعاودة تكون حاله هذه مشعرة بجرأته على المخالفة فالعزم لا حاجة إلى اشتراطه بوجه ، والله أعلم قال ( وبهذا الضبط أيضا يعلم المباح المخل بقبول الشهادة كالأكل في الأسواق أو نحوه فإن يصدر منه صدورا يوجب عدم الوثوق به في حدود الله تعالى كان ذلك بخلا ) قلت ما قاله هنا ليس بصحيح وأن المباح المخل بقبول الشهادة ربما لا يخل بها من الوجه الذي تخل به المخالفة فإن إخلال المخالفة إنما هو بالعدالة التي هي أحد ركني قبول الشهادة وإخلال المباح إنما هو بالوثوق بالضبط الذي هو الركن الثاني لقبول الشهادة فكيف يكون ضابط الأمرين ضابطا واحدا هذا لا يصح بل الضابط أن مخالفة العادة الجارية من الشاهد في أموره المباحة ربما أشعرت بخلل في عقله فيتطرق الخلل إلى ضبطه وربما لم تشعر وذلك بحسب قرائن الأحوال فإن أشعر بذلك أو احتمل ردت شهادته في قبولها أو توقف وإلا فلا [ ص: 69 ] قال ( وذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة والقرائن المصاحبة إلى آخر المسألة ) قلت ما قاله في ذلك صحيح وما قاله في المسألتين بعدها نقل وتوجيه ولا كلام فيه وجميع ما قاله في الفروق الستة بعده صحيح أو نقل وترجيح

التالي السابق


الخدمات العلمية