صفحة جزء
( تنبيه ) قال بعض العلماء استثني من الغيبة ست صور ( الأولى ) النصيحة { لقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس حين شاورته عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه } فذكر عيبين فيهما ما يكرهانه لو سمعاه وأبيح ذلك لمصلحة النصيحة ويشترط في هذا القسم أن [ ص: 206 ] تكون الحاجة ماسة لذلك وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يخل بتلك المصلحة خاصة التي حصلت المشاورة فيها ، أو التي يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها أو هو على عزم ذلك فينصحه ، وإن لم يستشره فإن حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب ، وإن لم يعرض لك بذلك فالشرط الأول احتراز من ذكر عيوب الناس مطلقا لجواز أن يقع بينهما من المخالطة ما يقتضي ذلك فهذا حرام بل لا يجوز إلا عند مسيس الحاجة ولولا ذلك لأبيحت الغيبة مطلقا ؛ لأن الجواز قائم في الكل ، والشرط الثاني احتراز من أن يستشار في أمر الزواج فيذكر العيوب المخلة بمصلحة الزواج والعيوب المخلة بالشركة أو المساقاة أو يستشار في السفر معه فتذكر العيوب المخلة بمصلحة السفر ، والعيوب المخلة بالزواج فالزيادة على العيوب المخلة بما استشرت فيه حرام بل تقتصر على عين ما عين أو تعين الإقدام عليه


حاشية ابن حسين المكي المالكي

وتنحصر التي لا تحرم للغرض الصحيح الشرعي في ستة أبواب نظمها الكمال بقوله

القدح ليس بغيبة في ستة متظلم ومعرف ومحذر     ولمظهر فسقا ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزالة منكر

كما في حاشية العطار على محلى جمع الجوامع وبيانها كما في الزواجر

( الأول ) المتظلم فلمن ظلم أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلمه أو تخفيفه كأن يقول لولاة الأمور : إن فلانا أخذ مالي وغصبني أو ثلم عرضي إلى غير ذلك من القوادح المكروهة لضرورة دفع الظلم عنه

الثاني الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره عنه بقصد التوصل إلى إزالة المنكر ، وإلا كان غيبة محرمة ما لم يكن الفاعل مجاهرا لما يأتي

( الثالث ) الاستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني بكذا فلان فهل يجوز له وما طريقي في خلاصي منه أو تحصيل حقي أو نحو ذلك والأفضل أن يبهمه فيقول : ما تقول في شخص أو زوج كان من أمره كذا لحصول الغرض به وإنما جاز التصريح باسمه مع ذلك ؛ لأن المفتي قد يدرك من تعيينه معنى لا يدركه مع إبهامه فكان في التعيين نوع مصلحة ؛ لأن هند امرأة أبي سفيان رضي الله عنهما لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم { إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه ، وهو لا يعلم قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } متفق عليه

( الرابع ) تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم كجرح الرواة والشهود والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهليته أو مع نحو فسق أو بدعة ، وهم دعاة إليها ولو سرا فيجوز إجماعا بل يجب وكان يذكر لمن له قدرة على عزل ذي الولاية وتولية غيره أو على نصحه وحثه على الاستقامة ما يعلمه منه قادحا فيها كفسق أو تغفل لوجوب ذلك عليه ، وكان يشير ولو إن لم يستشر على مريد تزويج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي ، وقد علم في ذلك الغير قبيحا منفرا كفسق أو بدعة أو طمع أو غير ذلك كفقر في الزوج { لقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس [ ص: 231 ] حين شاورته عليه السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه } متفق عليه وفي رواية لمسلم وأما أبو الجهم فضراب للنساء وبه يرد تفسير الأول بأنه كناية عن كثرة أسفاره فذكر صلى الله عليه وسلم فيهما ما يكرهانه لو سمعاه وأبيح ذلك لمصلحة النصيحة ويشترط في هذا الباب أن تكون الحاجة ماسة لذلك وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يخل بتلك المصلحة خاصة التي حصلت المشاورة فيها أو التي يعتقد الناصح أن المنصوح شرع فيها أو هو على عزم ذلك فينصحه وإن لم يستشره فإن حفظ مال الإنسان وعرضه ودمه عليك واجب ، وإن لم يعرض لك بذلك فالشرط الأول احتراز من ذكر عيوب الناس مطلقا لجواز أن يقع بينهما من المخالطة ما يقتضي ذلك فهذا حرام لا يجوز إلا عند مسيس الحاجة ، ولولا ذلك لأبيحت الغيبة مطلقا ؛ لأن الجواز قائم في الكل ، والشرط الثاني احتراز من أن يستشار في أمر الزوج فيذكر العيوب المخلة بمصلحة الزواج ، والعيوب المخلة بالشركة والمساقاة أو يستشار في السفر معه فيذكر العيوب المخلة بمصلحة السفر والعيوب المخلة بالزواج فالزيادة على العيوب المخلة بما استشير فيه حرام مثلا إن كفى نحو لا يصلح لك لم يزد عليه ، وإن توقف على ذكر عيب ذكره ، ولا تجوز الزيادة عليه أو عيبين اقتصر عليهما وهكذا ؛ لأن ذلك كإباحة الميتة للمضطر فلا يجوز تناول شيء منها إلا بقدر الضرورة ويشترط أن يقصد بذلك بذل النصيحة لوجه الله - تعالى - دون حظ آخر وكثيرا ما يغفل الإنسان عن ذلك فيلبس عليه الشيطان ويحمله على التكلم به حينئذ لا نصحا ويزين له أنه نصح وخير

( الخامس ) أن يتجاهر بفسقه أو بدعته كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا وذوي الولايات الباطلة ، وكقول امرئ القيس (

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع     بسقط اللوى بين الدخول فحومل

) فذكر مثل هذا عن هذه الطوائف لا يحرم فإنهم لا يتأذون بذلك بل يسرون ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم { قال في الذي استأذن عليه ائذنوا له بئس أخو العشيرة } متفق عليه وقد احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب وروى خبرا ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا قال الليث : كانا منافقين هما مخرمة بن نوفل بن عبد مناف القرشي وعيينة بن حصن الفزاري لكن بشرط الاقتصار على ما تجاهروا به دون غيره فيحرم ذكرهم بعيب آخر إلا أن يكون لسبب آخر مما مر فمن هنا قال الأصل : سألت جماعة من المحدثين والعلماء الراسخين في العلم عمن يروي قوله صلى الله عليه وسلم { لا غيبة في فاسق } فقالوا لي : لم يصح ، ولا يجوز التفكه بعرض الفاسق فاعلم ذلك ، ونقل في الزواجر عن الخادم أنه وجد بخط الإمام تقي الدين بن دقيق العيد أن القفال في فتاويه خصص الغيبة بالصفات التي لا تذم شرعا بخلاف نحو الزنا فيجوز ذكره لقوله صلى الله عليه وسلم { اذكروا الفاسق بما فيه تحذره الناس } غير أن المستحب الستر حيث لا غرض ، فإن كان هناك غرض كتجريحه أو إخبار مخالطة فيلزم بيانه . ا هـ . قال الخادم : وما ذكره من الجواز في الأول لا لغرض شرعي ضعيف لا يوافق عليه ، والحديث المذكور ضعيف وقال أحمد منكر ، وقال البيهقي ليس بشيء فإن صح حمل على فاجر معلن بفجوره أو يأتي بشهادة أو يعتمد عليه فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه . ا هـ . وهذا الذي حمله البيهقي عليه متعين ، ونقل عن شيخه الحاكم أنه غير صحيح ، وأورده بلفظ ليس للفاسق غيبة ، ويقتضى عليه عموم خبر مسلم الذي فيه [ ص: 232 ] حدا الغيبة بأنها ذكرك أخاك بما يكره وعليه أجمعت الأمة ، وهذا كله يرد ما قاله القفال . ا هـ . المراد

( السادس ) : التعريف بنحو لقب كالأعور والأعمش والأصم والأقرع فيجوز وإن أمكن تعريفه بغيره نعم إن سهل تعريفه بغيره فهو أولى ، والشرط أن يكون ذكر نحو الأعور على جهة التعريف لا التنقيص ، وإلا حرم فأكثر هذه الأسباب الستة مجمع عليه ، ويدل لها من السنة أحاديث صحيحة مشهورة . ا هـ . أي كالذي تقدم الاستدلال بها ، وزاد الأصل

( سابعا ) : وهو ما إذا كنت والمغتاب عنده قد سبق لكما العلم بالمغتاب به ، قال : فإن ذكره بعد ذلك لا يحط قدر المغتاب عنده لتقدم علمه بذلك فقال بعض الفضلاء : لا يعرى هذا القسم عن نهي ؛ لأنكما إذا تركتما الحديث فيه ربما نسي فاستراح الرجل المغيب بذلك من ذكر حاله وإذا تعاهدتماه أدى ذلك إلى عدم نسيانه هذا ما ذكره الأصل في تلخيص الفرق بين ما يحرم من الغيبة ، وما لا يحرم منها ، وصححه ابن الشاط مع زيادة من كتاب الزواجر لابن حجر والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية