صفحة جزء
( المسألة الثالثة )

تقبيل اليد قال مالك : إذا قدم الرجل من سفره فلا بأس أن تقبله ابنته وأخته ولا بأس أن يقبل خد ابنته وكره أن تقبله ختنته ومعتقته ، وإن كانت متجالة ، ولا بأس أن يقبل رأس أبيه ، ولا يقبل خد أبيه أو عمه ؛ لأنه لم يكن من فعل الماضين قال ابن رشد { سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات بينات الواردة في القرآن فقال لهم لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرمها الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى السلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقاموا فقبلوا يديه ورجليه وقالوا : نشهد أنك نبي قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا : إن داود عليه السلام دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود } قال الترمذي حديث حسن صحيح فتقبيل اليهود ليديه ورجليه عليه السلام ولم ينكره دليل على مشروعيته وكان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفره قبل سالما وقال شيخ يقبل شيخا إن هذا جائز على هذا الوجه لا على وجه مكروه { وقدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه قالت عائشة والله ما رأيته عريانا قبله ، ولا بعده فاعتنقه وقبله } قال الترمذي حديث حسن غريب { وقبل عليه السلام جعفرا حين قدم من أرض الحبشة } .

قال وأما القبلة في الفم من الرجل للرجل فلا رخصة فيها بوجه قلت : بلغني عن بعض العلماء أنهم كانوا يتحاشون تقبيل أولادهم في أفواههم ويقبلونهم في أعناقهم ورءوسهم محتجين بأن الله - تعالى - حرم الاستمتاع بالمحارم ، والاستمتاع هو أن يجد لذة بالقبلة فمن كان يجد لذة بها امتنع ذلك في حقه ومن كان يستوي عنده الخد والفم والرأس والعنق وجميع الجسد عنده سواء ، وإنما يفعل ذلك على وجه الجبر والحنان فهذا هو المباح ، وأما غير ذلك فلا قلت : وهذا كلام صحيح لا مرية فيه ولقد رأيت [ ص: 255 ] بعض الناس يجد اللذة من تقبيل ولده في خده أو فمه كما يجده كثير من الناس بتقبيل امرأته ويعتقد ذلك برا بولده وليس كذلك بل هو لقضاء أربه ولذته وينشرح لذلك ويفرح قلبه ويجد من اللذة أمرا كبيرا ومن المنكرات أن يعمد الإنسان لأخته الجميلة أو ابنته الجميلة التي يتمنى أن تكون له زوجة مثلها في مثل خدها وثغرها فيقبل خدها أو ثغرها ، وهو يعجبه ذلك ، ويعتقد أن الله - تعالى - إنما حرم عليه قبلة الأجانب ، وليس كذلك بل الاجتماع بذوات المحارم أشد تحريما كالزنا بهن أقبح من الزنا بالأجنبيات ، وما من أحد له طبع سليم ، ويرى جمالا فائقا لا يميل إليه طبعه ، وقد يزعه عقله وشرعه رأيت الناس عندهم مسامحة كثيرة في ذلك ، وقول مالك رحمه الله : إنه يقبل خد ابنته محمول على ما إذا كان هذا ، وغيره عنده سواء ، أما متى حصل الفرق في النفس صار استمتاعا حراما والإنسان يطالع قلبه ويحكمه في ذلك


[ ص: 255 ] حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة الثالثة )

تقبيل اليد والرأس ممن ترجى بركته وتقصد مودته لداع مشروع دل عليه فعله صلى الله عليه وسلم وإقراره وعمل السلف والقياس الجلي أما الفعل والإقرار وعمل السلف ففي ما خرجه البيهقي في سننه أن عائشة رضي الله عنها قالت { ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه وكان إذا دخل عليها رحبت به وقامت وأخذت بيده فقبلتها } كما تقدم وقال ابن رشد { سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسع آيات بينات الواردة في القرآن فقال لهم : لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى السلطان ليقتله ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تولوا الفرار يوم الزحف ، وعليكم - خاصة اليهود - أن لا تعدوا في السبت فقاموا فقبلوا يديه ورجليه وقالوا : نشهد إنك نبي . قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ، قالوا : إن داود عليه السلام دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود } قال الترمذي : حديث حسن صحيح فتقبيل اليهود ليديه ورجليه عليه السلام ولم ينكره دليل على مشروعيته وكان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفره قبل سالما وقال شيخ يقبل شيخا قال : فهذا جائز على هذا الوجه لا على وجه مكروه { وقدم زيد بن حارثة المدينة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه قالت عائشة : والله ما رأيته عريانا قبله ، ولا بعده فاعتنقه وقبله } قال الترمذي حديث حسن غريب .

وقبل عليه السلام جعفرا حين قدم من أرض الحبشة قال وأما في الفم الرجل للرجل فلا رخصة فيها بوجه ا هـ وأما القياس الجلي فهو أنه قد ثبت بالتواتر { تقبيله صلى الله عليه وسلم للحجر الأسود والمحجن } الذي مس به الحجر الأسود فيد ورأس من ترجى بركته أو تقصد مودته لداع أولى بالتقبيل فمن هنا قال مالك رحمه الله تعالى : إذا قدم الرجل من سفره فلا بأس أن تقبله ابنته وأخته ولا بأس أن يقبل خد ابنته ، وكره أن تقبله ختنته ومعتقته ، وإن كانت متجالة ، ولا بأس أن يقبل رأس أبيه ، ولا يقبل خد أبيه [ ص: 281 ] أو عمه ، ولأنه لم يكن من فعل الماضي ا هـ لكن قال الأصل : بلغني عن بعض العلماء أنهم كانوا يتحاشون عن تقبيل أولادهم في أفواههم ويقبلونهم في أعناقهم ورءوسهم محتجين بأن الله - تعالى - حرم الاستمتاع بالمحارم والاستمتاع هو أن يجد لذة بالقبلة فمن كان يجد لذة بالقبلة بها امتنع ذلك في حقه .

ومن كان يستوي عنده الخد والفم والرأس والعنق وجميع الجسد عنده سواء ، وإنما يفعل ذلك على وجه الجبر والحنان فهذا هو المباح ، وأما غير ذلك فلا قال : وهذا كلام صحيح لا مرية فيه ، ولقد رأيت بعض الناس يجد اللذة من تقبيل ولده في خده أو فمه كما يجده كثير من الناس بتقبيل امرأته ويعتقد أن ذلك بر بولده وليس كذلك بل هو لقضاء أربه ولذته وينشرح لذلك ويفرح قلبه ويجد من اللذة أمرا كبيرا .

ومن المنكرات أن يعمد الإنسان لأخته الجميلة أو ابنته الجميلة التي يتمنى أن يكون له زوجة مثلها في مثل خدها وثغرها فيقبل خدها ، أو ثغرها أو هو يعجبه ذلك ويعتقد أن الله - تعالى - إنما حرم عليه قبلة الأجانب ، وليس كذلك بل الاستمتاع بذوات المحارم أشد تحريما كما أن الزنى بهن أقبح من الزنا بالأجنبيات ، وما من أحد له طبع سليم ويرى جمالا فائقا لا يميل إليه طبعه وقد يزغه عقله وشرعه ، ورأيت الناس عندهم مسامحة كثيرة في ذلك ، وقول مالك رحمه الله : إنه يقبل خد ابنته محمول على ما إذا كان هذا وغيره عنده سواء ، أما متى حصل الفرق في النفس صار استمتاعا حراما ، والإنسان يطالع قلبه ويحكمه في ذلك ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية