1. الرئيسية
  2. أنوار البروق في أنواء الفروق
  3. الفرق بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين إذن المالك الآدمي في التصرفات
صفحة جزء
[ ص: 195 ] ( الفرق الثاني والثلاثون بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين إذن المالك الآدمي في التصرفات في أن الأول لا يسقط الضمان والثاني يسقطه )

وسر الفرق هو أن الله تعالى تفضل على عباده فجعل ما هو حق لهم بتسويغه وتملكه وتفضله لا ينقل الملك فيه إلا برضاهم ولا يصح الإبراء منه إلا بإسقاطهم ولذلك لا يسقط الضمان في إتلافه إلا بإذنهم في إتلافه أو بالإذن في مباشرته على سبيل الأمانة كما أن ما هو حق لله تعالى صرف لا يتمكن العباد من إسقاطه والإبراء منه بل ذلك يرجع إلى صاحب الشرع فكل واحد من الحقين موكل لمن هو منسوب له ثبوتا وإسقاطا ويتضح الفرق بثلاث مسائل ( المسألة الأولى )

الوديعة إذا شالها المودع وحولها لمصلحة حفظها فسقطت من يده فانكسرت لا ضمان عليه لأنه مأذون له في ذلك الفعل الذي به انكسرت ولو سقط عليها شيء من يده فانكسرت ضمن لأن صاحب الوديعة لم يأذن له في حمل ذلك في يده فالفعل الذي به انكسرت غير مأذون فيه فيضمن فإن قيل إن كان صاحب الوديعة لم يأذن له غير أن الله تعالى أذن له أن يتصرف في بيته فقد وجد الإذن ممن هو أعظم من صاحب الوديعة قيل الإذن العام الشرعي [ ص: 196 ] لا يسقط الضمان وإنما يسقط الإذن الخاص من قبل صاحب الوديعة كما تقدم تقريره ( المسألة الثانية )

إذا استعار شيئا فسقط من يده فانكسر وهلك في العمل المستعار له من غير عدوان ولا مجاوزة لما جرت به العادة في الانتفاع بتلك العارية فلا ضمان عليه لأن الذي أعاره أذن له فيما حصل به الهلاك ولو سقط من يده عليها شيء فأهلكها ضمن لعدم وجود إذن صاحب العارية في هذا التصرف الخاص وإنما وجد الإذن العام وهو لا يسقط الضمان كما تقدم تقريره ( المسألة الثالثة )

إذا اضطر إلى طعام غيره فأكله في المخمصة جاز وهل يضمن له القيمة أو لا قولان أحدهما لا يضمن لأن الدفع كان واجبا على المالك والواجب لا يؤخذ له عوض والقول الثاني وهو الأظهر والأشهر لأن إذن المالك لم يوجد وإنما وجد إذن صاحب الشرع وهو لا يوجب سقوط الضمان وإنما ينفي الإثم والمؤاخذة بالعقاب ولأن القاعدة أن الملك إذا دار زواله بين المرتبة الدنيا والمرتبة العليا حمل على الدنيا استصحابا للملك بحسب الإمكان وانتقال الملك بعوض هو أدنى رتب الانتقال وهو أقرب لموافقة الأصل من الانتقال بغير عوض .


حاشية ابن الشاط

[ ص: 195 ] قال ( الفرق الثاني والثلاثون بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين إذن المالك الآدمي في التصرفات في أن الأول لا يسقط الضمان والثاني يسقطه إلى قوله ويتضح الفرق بثلاث مسائل ) قلت ما قاله صحيح ظاهر وأما كلامه في المسائل فليس بالواضح فإن المسألة الأولى والثانية من المسائل التي ذكر لبيانه فيما زعم لم يتوارد الإذنان فيهما على شيء واحد بل ورد الإذن العام فيهما على التصرف في غير الشيء المملوك للآدمي وترتب الضمان إنما هو على سبب الفعل المأذون فيه وكان من حق هذا الفرق أن يترتب على توارد الإذنين على شيء واحد وأما الثالثة فورد الإذن العام فيها على الشيء المملوك للآدمي فهذه المسألة هي التي تصلح مثالا لمحل هذا الفرق ثم إنه لا فرق على قول [ ص: 196 ] من يسقط الضمان عن المضطر وأما على قول من لا يسقط فلا بد من الفرق .

حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الثاني والثلاثون بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين إذن المالك الآدمي في التصرفات في إسقاط الثاني الضمان دون الأول )

وسر الفرق هو أن الله تعالى تفضل على عباده فجعل أن كل واحد من حق الله تعالى وحق الآدميين موكول لمن هو منسوب له ثبوتا وإسقاطا فما هو حق لله تعالى صرف لا يتمكن العباد من إسقاطه والإبراء منه بل ذلك يرجع إلى صاحب الشرع وما هو حق للآدميين بتسويغه وتملكه وتفضله لا ينقل الملك فيه إلا برضاهم ولا يصح الإبراء منه إلا بإسقاطهم ولذلك لا يسقط الضمان في إتلافه إلا بإذنهم في إتلافه أو بالإذن في مباشرته على سبيل الأمانة

( وصل ) في توضيح هذا الفرق بمسألة فيها توارد الإذنين على شيء واحد وهي أن المكلف إذا اضطر إلى طعام غيره فأكله في المخمصة جاز وهل يضمن له القيمة أو لا قولان أما القول بوجوب الضمان وهو الأظهر والأشهر فلأن إذن المالك لم يوجد وإنما وجد إذن صاحب الشرع وهو لا يوجب سقوط الضمان وإنما ينفي الإثم .

والمؤاخذة بالعقاب ولأن القاعدة أن الملك إذا دار زواله بين المرتبة الدنيا والمرتبة العليا حمل على الدنيا استصحابا بالملك بحسب الإمكان وانتقال الملك بعوض هو أدنى رتب الانتقال وهو أقرب لموافقة [ ص: 198 ] الأصل من الانتقال بغير عوض وعلى هذا القول فلا بد من الفرق المذكور وأما القول بعدم الضمان فلأن الدفع كان واجبا على المالك والواجب لا يؤخذ له عوض وعليه فلا فرق بين القاعدتين المذكورتين ومسألتا الوديعة والعارية اللتان ذكرهما الأصل هنا لبيان هذا الفرق فيما زعم لما لم يتوارد الإذنان فيهما على شيء واحد بل ورد الإذن العام فيهما على التصرف في غير الشيء المملوك للآدمي وترتب الضمان إنما هو سبب الفعل المأذون فيه وكان من حق هذا الفرق أن يترتب على توارد الإذنين على شيء واحد لم يكن لذكرهما في بيان هذا الفرق وجه وتوضيح ذلك أن مسألة الوديعة لا يضمنها المودع إذا شالها وحولها لمصلحة حفظها فسقطت من يده فانكسرت لأنه مأذون له في ذلك الفعل الذي به انكسرت ويضمنها إذا سقط عليها شيء من يده فانكسرت لأن صاحب الوديعة لم يأذن له في الفعل الذي به انكسرت والإذن العام من صاحب الشرع وإن وجد من حيث إنه أذن له في أن يتصرف في بيته لا يسقط الضمان كما تقدم تقريره ومسألة العارية لا يضمنها المستعير إذا سقطت من يده فانكسرت أو هلكت في العمل المستعارة له من غير عدوان ولا مجاوزة لما جرت به العادة في الانتفاع بتلك العارية لأن المعير أذن له فيما حصل به الهلاك ويضمنها إذا سقط من يده عليها شيء فأهلكها لعدم وجود إذن المعير في هذا التصرف الخاص .

وإنما وجد الإذن العام وهو لا يسقط الضمان كما تقدم تقريره والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية