1. الرئيسية
  2. أنوار البروق في أنواء الفروق
  3. الفرق بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب
صفحة جزء
( الفرق السادس والثمانون الفرق بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب ) اعلم أن الأصل في كثرة الثواب وقلته وكثرة العقاب وقلته أن يتبعا كثرة المصلحة في الفعل وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على التصدق بالدرهم وإنقاذ الغريق من بني آدم مع إنقاذ الغريق من الحيوان البهيمي وإثم الأذية في الأعراض والنفوس أعظم من الأذية في الأموال [ ص: 132 ] وهذا هو غالب الشريعة وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ويوجب الله تعالى أحدهما دون الآخر كتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة وسجدة النافلة مع سجدة الفريضة وكذلك الركوع فيهما بل قد تترك هذه القاعدة وتعكس بأن يصير الأقل أكثر ثوابا كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخشوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا بناء على أنها الصلاة الوسطى وكتفضيل العصر على رأي أبي حنيفة مع تقصير القراءة فيها بالنسبة إلى الظهر [ ص: 133 ] وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر ومن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي عليه السلام قال { من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة } فكلما كثر الفعل كان الثواب أقل وسبب ذلك أن تكرار الفعل والضربات في القتل يدل على قلة اهتمام الفاعل بأمر صاحب الشرع إذ لو قوي عزمه واشتدت حميته لقتلها في الضربة الأولى فإنه حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة متونة في الضرب فحيث لم يقتلها في الضربة الأولى دل ذلك على ضعف عزمه فلذلك ينقص أجره عن المائة إلى السبعين والأصل هو ما تقدم أن قاعدة كثرة الثواب كثرة الفعل وقاعدة قلة الثواب قلة الفعل فإن كثرة الأفعال في القربات تستلزم كثرة المصالح غالبا ولله تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لصنعه .


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق السادس والثمانون بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب اعلم أن الأصل في كثرة الثواب وقلته وكثرة العقاب وقلته أن يتبعا كثرة المصلحة في الفعل وقلتها كتفضيل التصدق بالدينار على التصدق بالدرهم إلى قوله [ ص: 132 ] وهذا هو غالب الشريعة ) قلت إن أراد أن ذلك أمر يدرك بالعقل ويلزم فيه فليس ما قاله بصحيح فإن ترتب الثواب والعقاب على الأعمال لا مجال للعقل فيه فإنه من باب وقوع أحد الجائزين وإن أراد أن ذلك أمر يدرك شرعا ويلزم فيه فما قاله صحيح لكن ليس ذلك على الإطلاق بل ذلك إذا وقعت المساواة من كل وجه ولم يقل التفاوت إلا في المصلحة خاصة .

قال ( وقد يستوي الفعلان في المصلحة والمفسدة من كل وجه ويوجب الله تعالى أحدهما دون الآخر كتكبيرة الإحرام مع غيرها من التكبيرات وسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة وسجدة النافلة مع سجدة الفريضة وكذلك الركوع فيهما ) قلت ما قاله لا يصح على قاعدة مراعاة المصالح وأنها إذا بلغت إلى حدها في الكثيرة لزم الوجوب وإذا لم تبلغ فلا بد من الثواب وعلى ذلك يلزم إذا تساوت أن يلزم الوجوب في المتساويين إن بلغت مصلحتهما إلى رتبة الواجبات أو الندب فيهما وإن لم تبلغ إلى تلك الرتبة وما أورده من الأمثلة لا نسلم فيها المساواة لم يأت على دعوة المساواة فيها بحجة غير ما سبق إلى الوهم بذلك بسبب المساواة في الصورة والمقدار وذلك لا دليل فيه .

قال ( بل قد تترك هذه القاعدة وتعكس بأن يصير الأقل أكثر ثوابا كتفضيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخضوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا بناء على أنها الصلاة الوسطى وكتفضيل العصر على رأي أبي حنيفة مع تقصير القراءة فيها بالنسبة إلى الظهر [ ص: 133 ] وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر إلى آخر الفرق ) قلت قد اعترف بأنها قاعدة غير مطردة وأن الأمر في ذلك إلى الله تعالى يفضل ما شاء على ما شاء وهذا هو الصحيح لا ما سواه والله أعلم .

حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق السادس والثمانون بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب ) يكثر الثواب أو العقاب غالبا في أحد فعلين وقعت المساواة بينهما من كل وجه فيما عدا المصلحة خاصة أو المفسدة خاصة على حسب ما يدرك فيه شرعا من كثرة المصلحة أو المفسدة مثلا ثواب التصدق بدينار أكثر من ثواب التصدق بدرهم لأن مصلحة الدينار أعظم من مصلحة الدرهم عند استواء حال المتصدق والمتصدق عليه من كل وجه أما عند تفاوت حال المتصدق والمتصدق عليه فلا لقوله صلى الله عليه وسلم { سبق درهم مائة ألف } { وسد خلة الولي الصالح أعظم من سد خلة الفاسق الطالح } لأن مصلحة بقاء الولي والعالم في الوجود لنفسه وللخلق أعظم من مصلحة بقاء الفاسق وإنقاذ الغريق من بني آدم لعظيم مصلحة بقائه أعظم من إنقاء الغريق من الحيوان البهيمي وإثم الأذية في الأعراض والنفوس لعظم مفسدتها أعظم من إثم الأذية في الأموال وعلى هذا القانون في غالب الشريعة وقد يكثر الثواب أو العقاب في أحد الفعلين المذكورين على خلاف هذا القانون بأن يصير الأقل مفسدة أكثر عقابا والأقل مصلحة أكثر [ ص: 151 ] ثوابا كتفصيل القصر على الإتمام مع اشتمال الإتمام على مزيد الخشوع والإجلال وأنواع التقرب وكتفضيل الصبح على سائر الصلوات عندنا بناء على أنها الصلاة الوسطى وكتفضيل العصر على رأي أبي حنيفة بناء على أنها الصلاة الوسطى مع تقصير القراءة فيها بالنسبة إلى الظهر وكتفضيل ركعة الوتر على ركعتي الفجر ومن ذلك ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي عليه السلام قال { من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة } فدل على أنه كلما كثر الفعل كان الثواب أقل وما ذلك إلا لأنه لما لم يقتلها في الضربة وهي حيوان لطيف لا يحتاج إلى كثرة متونة في الضرب دل على ضعف عزمه وقلة اهتمامه بأمر صاحب الشرع فنقص أجره عن المائة إلى السبعين وإن كثر فعله على خلاف القاعدة إذ لله تعالى أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا راد لحكمه ولا معقب لصنعه قلت ومن ذلك أيضا ما ذهب إليه الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى من تفضيل المدينة على مكة إذ لا معنى لتفضيل مكة عليها عند غيره من الأئمة إلا أن ثواب العمل في مكة أكثر من ثواب العمل فيها .

وقد قال مالك إن أسباب التفضيل لا تنحصر في مزيد المضاعفة فالصلوات الخمس بمنى عند التوجه لعرفة أفضل منها بمسجد مكة وإن انتفت عنها المضاعفة فافهم قال ابن الشاط ما حاصله ولم يثبت في الشريعة ما يصلح أن يكون دليلا على تفضيل الله تعالى أحد الفعلين المتساويين في المصلحة على الآخر وقاعدة مراعاة المصالح وإنها إذا بلغت إلى حدها في الكثرة لزم الوجوب وإذا لم تبلغ فلا بد من الثواب والندب تقتضي لزوم الوجوب في المتساويين معا إن بلغت مصلحتهما إلى رتبة الواجبات أو الندب فيهما معا وإن لم تبلغ مصلحتهما إلى تلك الرتبة فوجب حمل المتساويين في المصلحة حينئذ على ما تقتضيه هذه القاعدة فتأمل ا هـ والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية