1. الرئيسية
  2. أنوار البروق في أنواء الفروق
  3. الفرق بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف
صفحة جزء
( الفرق السادس والمائتان بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه يكون له النصف وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف )

اعلم أنه قد وقع في الإجارات أن من استأجر رجلا على أن يخيط له ثوبين أو يبني له دارين أو نحو ذلك ففعل أحدهما ، وهو النصف استحق النصف ، وهو ظاهر ، ووقع فيها أيضا أن من استأجر رجلا على أن يحفر له بئرا عشرة في عشرة تكون مربعة من كل جهة عشرة ، ويكون عمقها عشرة فعمل خمسة في خمسة أو استؤجر على أن يعمل صندوقا عشرة في عشرة فعمل خمسة في خمسة مقتضى ما تقدم من القاعدة أن لهذين نصف الأجرة لأنهما قد عملا خمسة ، وهي [ ص: 11 ] نصف العشرة لكن قال الفضلاء له في مسألة البئر الثمن ، وفي مسألة الصندوق الربع فلم يجروا في ذلك علىقاعدة الإجارة ، ولم يجروا أيضا في المخالفة على نمط واحد ، ووجه صحة ما قالوه أن البئر كلما نزل فيها ذراعا فقد شال من التراب بساطا مساحته عشرة في عشرة ، وذلك مائة فكل ذراع ينزله في البئر حينئذ مائة ذراع ، والأذرع عشرة وعشرة في مائة بألف فالمستأجر عليه ألف ذراع فلما عمل خمسة في خمسة شال في الذراع الأول تراب خمسة في خمسة ، وذلك خمسة وعشرون فكل ذراع من هذا المعمول خمسة وعشرون ، والأذرع المعمولة خمسة وخمسة في خمسة وعشرين بمائة وخمسة عشرين ، وذلك ما عمله ، ونسبته إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن .

وأما الصندوق فليس فيه بقر ، وإلا استوت المسألتان بل ألواح يلفقها فهو استأجره على ستة ألواح كل منها عشرة ، وذلك دائره أربعة وقعره وغطاؤه فكل لوح عشرة في عشرة فهو مائة ذراع ، والألواح ستة فالمستأجر عليه ستمائة ، عمل ستة في خمسة فيكون كل لوح منها خمسة وعشرين المتحصلة من ضرب خمسة في ستة ، وعشرون في ستة بمائة وخمسين ، ونسبتها إلى ستمائة كنسبة الربع فله الربع فتأمل ذلك فإنها من أبدع ما يلقى في مسائل المطارحات على الفقهاء ، وكم يخفى على الفقيه والحاكم الحق في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم :

فلم أرى في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام




حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق السادس والمائتان بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه أن يكون له النصف وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف ) قلت هذا الفرق فاسد الوضع فاحش الخطأ فإنه قاعدة واحدة لا غير ، وكل من عمل النصف فله النصف لا محالة ، وإنما يجري الوهم على الأغبياء فيظنون أن من استؤجر على عشرة في عشرة فعمل ذلك فقد عمل جميع ما استؤجر عليه ، وذلك صحيح ، وأنه متى استؤجر على ذلك فعمل خمسة في خمسة أنه عمل النصف ، وذلك غير صحيح بل عمل الثمن مما استؤجر عليه كيف ، وقد بين المؤلف ذلك بعد هذا في أثناء الكلام في هذا الفرق ، والعجب منه كيف ظن أن الترجمة صحيحة مع علمه بأنه لم يعمل النصف ، ولكن الغفلة لازمة لمن لم يعصم من البشر ، ولكن هذه الغفلة لا يعذر صاحبها ، والله أعلم ، وما قاله في حكاية الفروق الخمسة صحيح .

حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 11 ] الفرق السادس والمائتان بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه يكون له النصف ، وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف ) .

قال العلامة ابن الشاط ما خلاصته هذا الفرق فاسد الوضع فاحش الخطأ بسبب بنائه على توهم الأغبياء أن من استؤجر على أن يحفر بئرا عشرة في عشرة تكون مربعة من كل جهة عشرة ، ويكون عمقها عشرة أو على أن يعمل صندوقا عشرة في عشرة فعمل فيهما خمسة في خمسة فقد عمل النصف ، وهو غير صحيح بل إنما عمل في المسألة الأولى أعني مسألة البئر [ ص: 27 ] الثمن ، وفي المسألة الثانية أعني مسألة الصندوق الربع ، وذلك أن البئر كلما نزل فيها ذراعا فقد شال من التراب بساطا مساحته عشرة في عشرة ، وذلك مائة فكل ذراع ينزله في البئر حينئذ مائة ذراع ، والأذرع عشرة وعشرة في مائة بألف فالمستأجر عليه ألف ذراع فلما عمل خمسة في خمسة شال في الذراع الأول تراب خمسة في خمسة ، وذلك خمسة وعشرون فكل ذراع من هذا المعمول خمسة وعشرون ، والأذرع المعمولة خمسة وخمسة في خمسة وعشرين بمائة وخمسة وعشرين ، وذلك ما عمله ، ونسبته إلى الألف نسبة الثمن فيستحق الثمن .

وأما الصندوق فمن حيث إنه ليس فيه نقر يكون قد استؤجر على ستة ألواح ، وذلك دائره أربعة وقعره وغطاؤه ، وكل لوح منها عشرة في عشرة فهو مائة ذراع ، والألواح ستة فالمستأجر عليه ستمائة ذراع عمل ستة في خمسة فيكون كل لوح منها خمسة وعشرين المتحصلة من ضرب خمسة في خمسة ، وخمسة وعشرون في ستة بمائة وخمسين ، ونسبتها إلى ستمائة كنسبة الربع فيستحق الربع فظهر بهذا بطلان أن هناك قاعدة إن عمل النصف لا يكون له النصف ، وأنه لم يكن ثم إلا قاعدة واحدة ، وهي أن كل من عمل النصف فله النصف لا محالة ا هـ .

قال الأصل ، وهاتان المسألتان أعني : مسألتي البئر والصندوق من أبدع ما يلقى في مسائل المطارحات على الفقهاء فتأملهما فكم يخفى على الفقيه والحاكم الحق في المسائل الكثيرة بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الاطلاع على العلوم ما أمكنهم :

فلم أر في عيوب الناس شيئا كنقص القادرين على التمام

ا هـ .

والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية