صفحة جزء
القاعدة الخامسة والثلاثون ) : من ملك منفعة عين بعقد ثم ملك العين بسبب آخر هل ينفسخ العقد الأول أم لا ؟ ههنا صورتان : [ ص: 43 ] إحداهما : أن يكون العقد الذي ملك به المنفعة عقدا مؤبدا ، فإن لم يكن عقد معاوضة فلا معنى لانفساخه كالموصى له بمنافع الأمة إذا اشتراها فإنه يجتمع له ملكها بالعقدين ولا ضرر في ذلك ، فهو كما لو كان ملكه للمنفعة بغير عقد كملك الورثة لمنافع العين الموصى برقبتها إذا اشتروها من الموصى له ، وإن كان عقد معاوضة وهو النكاح انفسخ بملك الرقبة ، لأنه ملك ضعيف ومختلف في مورده هل هو المنفعة أو الانتفاع ؟ ويختص بمنفعة البضع ويملك به الاستمتاع بنفسه دون المعاوضة عليه فلا يجتمع مع الملك القوي ، وهو ملك الرقبة ، بل يندفع به ولا نقول : إنه يدخل ملكه في ملك الرقبة ; لأن مالك الرقبة لم يكن مالكا له فكيف يتضمن عقده على الرقبة بملكه ، بل نقول قد اجتمع له ملك الرقبة بجميع منافعها بجهة وملك البضع { ملكا } بجهة أخرى ضعيفة ، فبطلت خصوصيات الجهة الضعيفة كلها لمصيره مالكا للجميع ملكا تاما وهذا صحيح ، فإنه لا يمكن بعد هذا الملك أن يقال : إنه يملك الانتفاع بالبضع دون منفعته ، ولا أنه يملك الانتفاع به بنفسه دون المعاوضة عليه ، فتعين إلغاء خصوصيات عقد النكاح كلها .

والصورة الثانية : أن يكون العقد المملوك به المنفعة غير مؤبد كالإجارة ، فإذا ملك { العين } بعد ذلك فهل ينفسخ ؟ فيه وجهان : ويندرج تحت ذلك صور : منها : لو اشترى المستأجر العين المستأجرة من مؤجرها ففي انفساخ الإجارة وجهان حكاهما الأصحاب وربما حكي روايتان : أحدهما : ينفسخ لأنه ملك الرقبة فبطل ملك المنفعة كما لو اشترى زوجته .

والثاني : لا ينفسخ وهو الصحيح وهو اختيار القاضي وابن عقيل والأكثرين ; لأن المنافع ملكها أولا بجهة الإجارة وخرجت عن ملك المؤجر ، والبيع بعد ذلك يقع على ما يملكه البائع وهو العين المسلوبة النفع فصار كما لو اشترى العين الموصى بمنافعها من الورثة واستأجر المنافع من مالكها في عقد أو عقدين ، فإن الإجارة لا تنفسخ بغير خلاف ، ولا منافاة بين ثبوت البيع والإجارة بخلاف النكاح ، وأيضا فالملك هاهنا أقوى من ملك النكاح لأنه يملك الانتفاع والمعاوضة ، ويملك به عموم المنافع ، فلا تنفسخ بملك الرقبة ، فإن قيل : لو لم تنفسخ الإجارة لعادت المنافع بعد انقضاء مدتها إلى المؤجر لأنه لم يدخل في عقد البيع ، وإنما استأجرها مدة مؤقتة بخلاف الزوج ، لأنه ملك المنفعة ملكا مؤبدا ، فالجواب أن البائع باع ما يملكه من العين ومنافعها التي يستحقها بعد انقضاء مدة الإجارة ، فإنه يملك العقد على المنافع التي تلي العقد والتي تتأخر عنه بالإجارة عندنا فالبيع أولى ، أما إن كان الاستئجار من غير البائع وإن كان مالكا للمنافع المؤبدة فالإجارة باقية وتعود إليه بعد انقضاء المدة بغير تردد ، ولو ملك المستأجر العين بهبة فهو كما لو ملكها بشراء ، صرح به الشيخ مجد الدين في مسودته على الهداية ، فأما إن وهب العين المستعارة من المستعير فإنه تبطل العارية ، وذكره القاضي وابن عقيل ; لأنه عقد غير لازم .

ومنها : لو استأجر دارا من أبيه ثم مات الأب وورثها فهل تنفسخ الإجارة ؟ فيه وجهان أيضا [ ص: 44 ] وخرجهما صاحب التلخيص من المسألة التي قبلها ، والمذهب عند القاضي في الخلاف أنه لا ينفسخ كشراء المستأجر ، وقال في المجرد ينفسخ ، وتوجه بأن الملك بالإرث قهري يقتضي تملك ما لا يتملك مثله بالعقود فجاز أن يملك به المنافع المستأجرة من مستأجرها فتنفسخ الإجارة ، وأيضا فقد ينبني هذا على المنافع المستأجرة هل تحدث على ملك المؤجر ثم تنتقل إلى ملك المستأجر فإن قلنا بذلك فلا معنى لحدوثها على ملكه وانتقالها إليه ، هذا إذا كان ثم وارث سواه لأن فائدة بقاء الإجارة استحقاق بقية الأجرة ، فإذا لم يكن وارث سواه فلا معنى لاستحقاقه العوض على نفسه إلا أن يكون على أبيه دين لغيره وقد مات مفلسا بعد أن أسلفه الأجرة .

ومنها : لو اشترى طلعا لم يؤبر في رءوس نخلة بشرط قطعه ثم اشترى أصله في الحال ، فهل يتخرج انفساخ البيع في الطلع على ما مر من الوجهين لأنه بمنزلة المنفعة لتبعه في البيع أم لا ; لأنه عين مستقلة ؟ فيه تردد ، والمجزوم به في الكافي أنه لا ينفسخ بغير خلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية