صفحة جزء
( القسم الثاني ) أن يعقد عليه عقدا وينقله إلى يد المعقود له ثم ينتهي العقد أو ينفسخ وهو نوعان :

( أحدهما ) أن يكون عقد معاوضة كالبيع إذا انفسخ بعد قبضه بعيب أو خيار والعين المستأجرة إذا انتهت المدة أو العين التي أصدقها المرأة وأقبضها ثم طلقها قبل الدخول .

( والثاني ) : أن يكون غير معاوضة كعقد الرهن إذا وفى الدين وكعقد الشركة والمضاربة الوديعة والوكالة إذا فسخ العقد والمال في أيديهم فأما عقود المعاوضات فيتوجه فيها للأصحاب وجوه : ( أحدها ) أن حكم الضمان بعد زوال العقد حكم ضمان المالك الأول قبل التسليم فإن كان مضمونا عليه بعد انتهاء العقد مضمونا له وإلا فلا وهي طريقة أبي الخطاب وصاحب الكافي في آخرين اعتبارا لأحد الضمانين بالآخر فعلى هذا إن كان عوضا في بيع أو نكاح وكان متميزا لم يضمن على الصحيح وإن كان غير متميز ضمن وإن كان في إجارة ضمن بكل حال .

( والوجه الثاني ) إن كان انتهاء العقد بسبب يستقل به من هو في يده كفسخ المشتري أو يشارك فيه الآخر كالفسخ منهما فهو ضامن له لأنه يسبب إلى جعل ملك غيره في يده وإن استقل به الآخر كفسخ البائع وطلاق الزوج فلا ضمان لأنه حصل في يد هذا بغير سبب منه ولا عدوان فهو كما لو ألقى ثوبه في داره بغير أمره وهذا الوجه ظاهر ما ذكره صاحب المغني في مسألة الصداق وعلى هذا يتوجه ضمان العين المؤجرة بعد انتهاء المدة لأنه تسبب إلى رفع العقد مع المؤجر ، ووجه أن الإذن في القبض إنما كان لازما لوجوب الدفع للملك ولهذا يتملك المشتري والمستأجر أخذه بدون إذنه فبعد زوال الملك لا يوجد إذن سابق ولا لاحق ولو قدر وجود الإذن في القبض فإنما أذن في قبض ما ملك عليه فلا يكون إذنا في قبض ملكه هو .

( والوجه الثالث ) : حكم الضمان بعد الفسخ حكم ما قبله فإن [ ص: 57 ] كان مضمونا فهو مضمون وإلا فلا يكون البيع بعد فسخه مضمونا لأنه كان مضمونا على المشتري بحكم [ العقد ولا ] يزول الضمان بالفسخ صرح بذلك القاضي في خلافه ومقتضى هذا ضمان الصداق على المرأة وهو ظاهر كلام صاحب المحرر وأنه لا ضمان في الإجارة لأن العين لم تكن مضمونة من قبل ، وصرح بذلك القاضي وغيره . يوجه بأن المبيع والصداق إنما أقبضه لانتقال ملكه عنه بخلاف العين المستأجرة فإنه أقبضها مع علمه بأنها ملكه فكان إذنا في قبض ملكه بخلاف الأول حتى قال القاضي وأبو الخطاب لو عجل أجرتها ثم انفسخت قبل انتهاء المدة فله حبسها حتى يستوفي الأجرة ولا يكون ضامنا .

( والوجه الرابع ) أنه لا ضمان في الجميع ويكون المبيع بعد فسخه أمانة محضة صرح بذلك أبو الخطاب في الانتصار لأنه حصل تحت يده ملك غيره بغير عدوان فلم يضمنه كما لو أطارت الريح إليه ثوبا وكذلك اختاره القاضي في المجرد وابن عقيل في الصداق بعد الطلاق .

( والوجه الخامس ) : التفريق بين أن ينتهي العقد أو يطلق الزوج ، وبين أن ينفسخ العقد ففي الأول يكون أمانة محضة لأن حكم المالك ارتفع وعاد ملكا للأول ، وفي الفسخ يكون مضمونا لأن الفسخ يرفع حكم العقد بالكلية فيصير مضمونا بغير عقد أو على وجه السوم في صورة البيع ، وممن صرح بذلك الأزجي في النهاية وصاحب التلخيص وهو ظاهر كلام ابن عقيل في مسائل الرد بالعيب وصرح بأنه يضمن نقصه فيما قبل الفسخ وبعده بالقيمة لارتفاع العقد ويصير مقبوضا على وجه السوم .

ونقل الأثرم عن أحمد فيمن دفع [ إلى ] آخر دينارا من شيء كان له عليه فخرج فيه نقص فقال للدافع خذه وأعطني غيره فقال أمسكه معك حتى أبدله لك فضاع الدينار فقال ما أعلم عليه شيئا إنما هو الساعة مؤتمن ، فيحتمل أن يكون مراده أن المفسوخ بعيب بعد فسخه أمانة ، ويحتمل وهو أظهر أن يكون إنما جعله أمانة لأمر المعطي بإمساكه له فهو كإيداعه منه .

( والنوع الثاني ) عقود الشركات كالوكالة الوديعة والشركة والمضاربة والرهن إذا انتهت أو انفسخت والهبة إذا رجع فيها الأب ، أو قيل بجواز فسخها مطلقا كما أفتى به الشيخ تقي الدين ففيها وجهان :

( أحدهما ) أنها غير مضمونة صرح به القاضي وابن عقيل في الرهن وأنه لا يجب رده إلى صاحبه استصحابا للإذن السابق والائتمان كما صرحوا به في الإجارة وكذلك صرح به القاضي [ ص: 58 ] وأبو الخطاب في خلافيهما في بقية العقود المسماة وأنها تبقى أمانة كما لو أطارت الريح إلى داره ثوبا ، هذا يحتمل أنه مع علم المالك بالحال لا يجب الدفع لأن الواجب التمكن منه لا حمله إليه كما تقدم .

والفرق بين عقود الأمانات المحضة والمعاوضات أن المعاوضات تضمن بالعقد وبالقبض فإذا كان عقدها مضمنا كان فسخها كذلك وعقود الأمانات لا تضمن بالعقد فكذلك بالفسخ .

( والوجه الثاني ) أنه يصير مضمونا إن لم يبادر إلى الدفع إلى المالك كمن أطارت الريح إلى داره ثوبا وصرح به القاضي في موضع آخر من خلافه في الوديعة والوكالة وكلام القاضي وابن عقيل يشعر بالفرق بين الوديعة والرهن فإنهما عللا كون الرهن أمانة بأنه أمانة ووثيقة فإذا زالت الوثيقة بقيت الأمانة كما لو كان عنده وديعة فأذن له في بيعها ثم نهاه ، وهذا التعليل مقتضاه الفرق بين الوديعة وبين الشركة والمضاربة والوكالة لأن هذه العقود كلها مشتملة على ائتمان وتصرف فإذا زال التصرف بقي الائتمان بخلاف الوديعة فإنه ليس فيها غير ائتمان مجرد فإذا زال صار ضامنا وحكم المغصوب إذا أبرأ المالك الغاصب من ضمانها كما ذكرنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية