1. الرئيسية
  2. القواعد لابن رجب
  3. القاعدة السابعة والخمسون إذا تقارن الحكم ووجود المنع منه فهل يثبت الحكم أم لا
صفحة جزء
وأما اقتران الحكم والمانع فله صور

: منها توريث الطفل المحكوم بإسلامه بموت أحد أبويه الكافرين منه وقد ذكرت ومنها إذا قتلت أم الولد سيدها فإنه يلزمها أقل الأمرين من قيمتها أو الدية نص عليه .

قال الأصحاب سواء قلنا إن الدية تحدث على ملك الورثة ابتداء أو على ملك المورث أولا ; لأنا إن قلنا تحدث على ملك الورثة فقد اقترن الضمان بالحرية وإنما لم يجب الضمان هنا بالدية مطلقا اكتفاء بمقارنة الشرط للحكم على ما تقدم لأن الاعتبار هنا في الضمان بحالة الجناية وهي حينئذ رقيقة فلا يلزمها أكثر من ضمان جناية الرقيق ولا يمنع من ذلك مقارنة الحرية بحالة وجوب الضمان بناء على أن المانع إذا اقترن بالحكم لم يمنعه وإن قلنا إن الدية تحدث على ملك المقتول أولا فقد وجب له ذلك في آخر جزء من حياته ، وهي إذ ذاك رقيقة فسبق وقت وجوب الضمان وقت الحرية ، وإنما وجب الضمان هنا للسيد وإن كان السيد لا يجب له الضمان على رقيقه لتعلق حق الورثة بماله في هذه الحالة فصار كالواجب لها ابتداء ، ولهذا كانوا هم المطالبين به والله أعلم .

ومنها إذا تزوج العادم للطول الخائف للعنت في عقد حرة وأمة فهل يصح نكاح الأمة مع الحرة ؟ على وجهين ومنها إذا قال المتزوج بأمة أبيه : إذا مات أبي فأنت طالق ثم مات الأب فهل يقع الطلاق ؟ على وجهين :

أحدهما : يقع ، وهو قول القاضي في الجامع والخلاف وابن عقيل في العمد واختيار أبي الخطاب لأن الموت يترتب عليه [ وقوع ] الطلاق والملك [ والملك ] سبب انفساخ النكاح فقد سبق نفوذ [ ص: 101 ] الطلاق وقوع الفسخ فنفذ .

والثاني : لا يقع وهو قول القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول لأن الطلاق قارن المانع وهو الملك فلم ينفذ .

ومنها إذا تزوج أمة ثم قال لها إن اشتريتك فأنت طالق وفيه الوجهان إن قلنا ينتقل الملك مع الخيار وهو الصحيح ، وإن قلنا لا ينتقل وقع الطلاق وجها واحدا كذا ا ذكره أبو الخطاب وفي خلاف القاضي إذا حلف لا يبيع فباع بشرط [ الخيار ] هل يحنث أن ذلك مبني على نقل الملك وعدمه فقياس قوله إنه لا يقع الطلاق هنا في مدة الخيار إذا قلنا لا ينتقل الملك فيها وأنكر ذلك الشيخ مجد الدين وقال يحنث بكل حال لأن البيع قد وجد .

ومنها إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها إن كلمتك فأنت طالق ثم أعاده فإنها تطلق بالإعادة لأنه كلام في المشهور عند الأصحاب .

وقال ابن عقيل في عمد الأدلة قياس المذهب عندي أنه لا يحنث بهذا الكلام لأنه من جنس اليمين الأولى ومؤكد لها ، وإنما المقصود أذاها وهجرها وإضرارها بترك كلامها وليس في هذه الإعادة ما ينافي ذلك فلا يحنث به وهذا أقوى والتفريع على المشهور فإذا وقع الطلاق بالإعادة ثانيا فهل ينعقد به يمين ثانية أم لا ؟ في المسألة وجهان :

أحدهما : لا ينعقد وهو قول القاضي في الجامع والخلاف ومن اتبعه كالقاضي يعقوب وابن عقيل وهو قياس قول صاحب المغني وله مأخذان :

أحدهما : وهو مأخذ القاضي ومن اتبعه أن الكلام يحصل بالشروع في الإعادة قبل إتمامها فيقع الطلاق قبل إتمام الإعادة فلا ينعقد لأن تمام اليمين حصل بعد البينونة .

والثاني : وهو الذي ذكره صاحب المغني في نظير هذه المسألة أن الطلاق وإن وقف وقوعه إلى ما بعد إنهاء الإعادة إلا أن الإعادة يترتب عليها البينونة فيقع انعقاد اليمين مع البينونة فيخرج على الخلاف في ثبوت الحكم مع المانع أو مع سببه والأصح عنده عدمه .

والوجه الثاني : تنعقد اليمين وهو اختيار صاحب المحرر بناء على أن الطلاق يقف وقوعه على تمام الإعادة لأن الكلام المطلق إنما ينصرف إلى المقيد ولا تحصل الإفادة بدون ذكر جملة الشرط والجزاء فيقف الطلاق عليهما ويقع عقيبهما لأنهما شرط لوقوعه وأما اليمين فوجدت مع شرط الطلاق فسبقت وقوعه .

يوضحه أن اليمين هي اللفظ المجرد وهو المعلق عليه الطلاق فإذا قال إن كلمتك فأنت طالق فهو في معنى قوله إن حلفت يمينا بطلاقك على كلامك فأنت طالق فتبين أن وجود اليمين سابقة لوقوع الطلاق ومنها إذاقال لامرأتيه وإحداهما غير مدخول بها إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان ثم قاله ثانيا فإنهما يطلقان طلقة [ طلقة ] على المذهب المشهور وانعقدت اليمين مرة ثانية في حق المدخول بها .

وأما في حق التي لم يدخل بها ففي انعقادها وجهان أحدهما أنها تنعقد وهو قول أبي الخطاب وصاحب المحرر ومقتضى ما ذكره القاضي وابن عقيل في المسألة التي قبلها لأن اليمين سبب البينونة [ ص: 102 ] ووجدت مع شرط الطلاق لا مع وقوع الطلاق .

والثاني : لا ينعقد وهو اختيار صاحب المغني غير أنه وقع في النسخ خلل في تعليله ; ووجهه أن اليمين وإن وجدت مع شرط الطلاق لكن انعقادها مفارق لوقوع الطلاق فلم ينعقد لاقترانه بما يمنعه ، فإن أعاده ثالثا قبل أن يجدد نكاح البائن لم تطلق واحدة منهما على الوجهين لأن الحلف بطلاق البائن لا يمكن فإن عاد وتزوج البائن ثم حلف بطلاقها وحدها فعلى الوجه الثاني لا تطلق لأن اليمين الثانية لم تنعقد بحقها وتطلق الأخرى طلقة لوجود الحلف بطلاقها قبل نكاح الثانية والحلف بطلاق الثانية بعد نكاحها فكمل الشرط في حق الأولى .

وعلى الوجه الأول تطلق كل واحدة منهما طلقة طلقة لأن الصفة الثانية منعقدة في حقهما جميعا كذا ذكره الأصحاب وأورد عليه أن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرط الحلف بطلاقها مع طلاق الأخرى فكل واحد من الحلفين جزء علة لطلاق كل واحدة منهما ، فكما أنه لا بد من الحلف بطلاقها في زمن يكون فيه أهلا لوقوع الطلاق كذلك الحلف بطلاق ضرتها لأنه جزء علة لطلاق نفسها ومن تمام شرطه فكيف يقع بهذه التي جدد نكاحها الطلاق وإنما حلف بطلاق ضرتها وهي بائن ؟ وأجيب عنه بأن وجود الصفة كلها في النكاح لا حاجة إليه ، ويكفي وجود آخرها فيه فيقع الطلاق عقيبه ، وذكر صاحب المحرر في تعليقه على الهداية أن هذا هو المذهب سواء قلنا يكفي في الحنث وجود بعض الصفة أم لا ، نعم إن قلنا يكفي وجود بعضها وقد وجد حال البينونة انبنى على أن الخلاف في حل اليمين بالصفة الموجودة حال البينونة انتهى .

وعندي أن هذا قد يتخرج على خلاف المتأخرين في أن اليمين لا تنحل بوجود الصفة حال البينونة فإن قلنا إنها مستثناة من عموم كلامه بقرينة الحال فوجود بعضها حال البينونة لا عبرة له أيضا كوجود جميعها ، وإن قلنا إن اليمين لا تنحل بدون الحنث فيها اكتفي بوجود آخرها في النكاح لإمكان الحنث فيه على أن الاكتفاء بوجود بعض الصفة حال البينونة وبعضها في النكاح مع قولنا لا يكتفى بوجود بعض الصفة في الطلاق وقولنا إن الصفة الموجودة حال البينونة لا تنحل بها اليمين لا يخلو عن إشكال [ ونظر ] والله أعلم .

ومنها إذا اشترى مريض أباه بثمن لا يملك غيره وهو تسعة دنانير وقيمة الأب ستة فقد حصل منها عطيتان من عطايا المريض محاباة البائع بثلث المال وعتق الأب إذا قلنا إن عتقه من الثلث وفيه وجهان :

أحدهما : وهو قول القاضي في المحرر وابن عقيل في الفصول يتحاصان لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك المشتري لثمنه وفي كل منهما عطية منجزة فتحاصا لتقارنهما والثاني أنه تنفذ المحاباة ولا يعتق الأب وهو اختيار صاحب المحرر لأن المحاباة سابقة لعتق الأب فإن ملك المشتري الثمن [ ص: 103 ] الذي وقعت المحاباة فيه وقع مقارنا لملك الأب ، وعتقه يترتب على ملكه ولم يقارنه فقد قارنت المحاباة شرط عتق الأب لا عتقه فنفذت كسبقها .

ومنها لو أصدقها مائة درهم ثم طلقها قبل الدخول على خمسين من المهر فهل تستحق جميع المهر أو ثلاثة أرباعه ؟ على وجهين : أحدهما تستحقه كله لأنه استحق عوضا عن الطلاق خمسين ورجع إليه بالطلاق قبل الدخول النصف الباقي والثاني تستحق ثلاثة أرباعه لأن الطلاق ينتصف به المهر ويصير مشاعا بين الزوجين فلا يستحق من الخمسين المخالع بها إلا نصفها ، فلا يسلم للزوج عوضا عن طلاقه إلا نصف الخمسين ويرجع إليه بالطلاق النصف .

ومن نصر الوجه الأول قال تنصف المهر يترتب على الخلع لا يفارقه فقد ملك الخمسين كلها قبل التنصيف ، لكن ملكه لها قارن سبب التنصيف وهو البينونة فهذا مأخذ الوجهين ، وللمسألة مأخذ آخر على تقدير التنصف قبل الملك وهو أن يخالعها لخمسين من المهر مع علمها بأن المهر ينتصف بالمخالعة هل يتنزل على خمسين مبهمة منه أو على الخمسين التي يستقر لها بالطلاق ؟ .

وفي المسألة وجهان ، وعليهما يتنزل الوجهان فيما إذا باع أحد الشريكين نصف السلعة المشتركة هل ينزل البيع على نصف مشاع وإنما له فيه نصفه وهو الربع أو على النصف الذي يخصه بملكه وكذلك في الوصية وغيرها واختيار القاضي أنه يتنزل على النصف الذي يخصه كله بخلاف ما إذا قال له أشركتك في نصفه وهو لا يملك سوى النصف فإنه يستحق منه الربع لأن الشركة تقتضي التساوي في الملكين بخلاف البيع . والمنصوص عن أحمد في رواية ابن منصور أنه لا يصح بيع النصف حتى يقول نصيبي فإن أطلق تنزل على الربع .

ومنها إذا تزوج في مرض الموت بمهر يزيد على مهر المثل ففي المحاباة روايتان إحداهما أنها موقوفة على إجازة الورثة لأنها عطية الوارث والثانية تنفذ من الثلث نقلها المروذي والأثرم وصالح وابن منصور والفضل بن زياد ويحتمل أن يكون مأخذه أن الإرث المقارن للعطية لا يمنع نفوذها ويحتمل أن يقال إن الزوجة ملكها في حال ملك الزوج البضع وثبوت الإرث مترتب على ذلك وكذلك نص في رواية أبي طالب فيمن أقر لزوجته في مرضه بمهر يزيد على مهر المثل أن الزيادة تكون من الثلث ووجهه القاضي بما ذكرناه من الترتيب لأن الإقرار تبين به أن الاستحقاق كان بالعقد وهذا كله يرجع إلى أن العطية والوصية لمن يصير وارثا يعتبر من الثلث وهو خلاف المذهب المعروف لكن قد يفرق بين أن يكون الوارث نسيبا أو زوجا كما فرق القاضي في كتاب الوصايا من خلافه بينهما في مسألة الإقرار لأن النسب سبب إرثه قائم حال الوصية بخلاف أحد الزوجين وفيما ذكره القاضي في توجيه أبي طالب نظر فإن أحمد لو اعتبر حالة العقد لما جعله من [ ص: 104 ] الثلث ، وإنما يتخرج من هذه الرواية رواية عنه بأن إقرار المريض لوارثه معتبر من الثلث والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية