صفحة جزء
( فائدة ) فإن قيل الكذب فيما لا يضر ولا ينفع صغيرة فما تقولون فيمن قذف محصنا قذفا لا يسمعه أحد إلا الله تعالى والحفظة ؟ مع أنه لم يواجه به المقذوف ولم يغتبه به عند الناس ، هل يكون قذفه كبيرة موجبة للحد مع خلوه من مفسدة الأذى ؟ قلنا الظاهر أنه ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة ولا يعاقب في الآخرة عقاب المجاهر في وجه المقذوف أو في ملأ من الناس ، بل عقاب الكذابين غير المصرين وقد قال الشاعر :

فإن الذي يؤذيك منه سماعه وإن الذي قالوا وراءك لم يقل

شبهه بالذي لم يقل لانتفاء ضرره وأذيته ، فإن قيل إذا اغتابه بالقذف لم يتأذ المقذوف مع غيبته ، فلم أوجبتم الحد مع انتفاء مفسدة التأذي ؟ قلنا لأن ذلك لو بلغه لكان أشد عليه من القذف في الخلوة ، ولأنه إذا قذفه على ملأ من الناس احتقروه بذلك وزهدوا في معاملته ومواصلته ، وربما أشاعوا ذلك إلى أن يبلغه وليس كذلك قذفه في الخلوة ، والإنسان يكره بطبعه أن يهتك عرضه في غيبته وأما قذفه في الخلوة فلا فرق بين إجرائه على لسانه وبين إجرائه على قلبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية