صفحة جزء
المثال السابع والعشرون : من أتلف شيئا عمدا بغير حق لزمه الضمان جبرا لما فات من الحق ويستثنى من ذلك صور .

إحداها : ما أتلفه الكفار على المسلمين من النفوس والأموال فإنهم لا يضمنون لما في تضمينه من التنفير عن الإسلام ، وإتلافهم إياه محرم لأنهم مخاطبون بفروع الإسلام . [ ص: 194 ]

الصورة الثانية : ما يتلفه المرتدون في حال القتال ، وفي تضمنه مع تحريمه اختلاف من جهة أن التضمين منفر من الإسلام ، ولكن الردة لا تعم عموم الكفر الأصلي .

الصورة الثالثة ما يتلفه البغاة على أهل العدل في حال القتال فإنهم لا يضمنونه على قول لما فيه من التنفير عن الطاعة والإذعان ، وعلى قول يضمنون لانحطاط رتبة التنفير عن الإسلام ، ولا يتصف إتلافهم بتحليل ولا تحريم ولا إباحة لأنه خطأ معفو عنه .

الصورة الرابعة : ما يتلفه العبيد على السادة فإنهم لا يضمنونه مع تحريم إتلافهم وفي هذا إشكال ، لأن إيجاب ما يتلفه العبيد في ذمتهم لا يمنع منه شرع ولا عقل ، ولا فرق بين السادة وغيرهم في ذلك ، وكذلك قولهم لا يثبت للسيد دين في ذمة عبده لا وجه له .

وأما ما يتلفه العبد على غير سيده فإنه يتعلق برقبته خلافا لأهل الظاهر ، وهذا مشكل من جهة لأن السيد لم يتلف شيئا ولا تسبب إلى إتلافه والذي تقتضيه القواعد أن يبث في ذمة العبد ولا يتعلق برقبته ، ولا وجه لقول من قال إنما وقع التعلق برقبته ، لتفريط السيد في حفظه فصار كالبهيمة إذا قصر صاحبها في حفظها فأتلفت شيئا ، لأن التعلق بالرقبة في عبيد الصبيان والمجانين ثابت مع أنه لا ينسب إليهم تقصير بسبب ولا مباشرة ولا شرط ، والتقصير في حفظ الدابة لا يختص بمالكها بل يعم من قصر في ضبطها وحفظها من مالك أو غالب أو مودع أو مستعير أو مستأجر .

الصورة الخامسة : أن الإمام والحاكم إذا أتلفا شيئا من النفوس أو الأموال في تصرفهما للمصالح فإنه يجب على بيت المال دون الحاكم والإمام [ ص: 195 ] ودون عواقلهما على قول الشافعي ، لأنهما لما تصرفا للمسلمين صار كأن المسلمين هم المتلفون ولأن ذلك يكثر في حقهما فيتضرران به ويتضرر عواقلهما .

الصورة السادسة : أن الجلاد إذا قتل بالحد أو القصاص من لا يجوز قتله في نفس الأمر فإنه لا يطالب بشيء من ضمان ذلك مع كونه غير ملجئ إلى الإتلاف ، ومن وضع يده خطأ على مال غيره لزمه ضمانه إلا الحكام وأمناء الحكام فيما يتعلق بعهدة ما باعوه ، لأن ذلك لو شرط لزهد الناس في البيع بطريق الحكم ونيابة الحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية