صفحة جزء
( فصل ) وأما قسم الصدقات في مستحقيها ; فهي لمن ذكر الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } [ ص: 156 ]

بعد أن { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها على رأيه واجتهاده حتى لزمه بعض المنافقين وقال اعدل يا رسول الله فقال : ثكلتك أمك إذا لم أعدل فمن يعدل } .

ثم نزلت عليه آية الصدقات بعد فعندها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن الله تعالى لم يرض في قسمة الأموال بملك مقرب ولا بنبي مرسل حتى تولى قسمتها بنفسه } .

فواجب أن تقسم صدقات المواشي وأعشار الزرع والثمار وزكاة الأموال والمعادن وخمس الركاز لأن جميعها زكاة على ثمانية أسهم للأصناف الثمانية إذا وجدوا ولا يجوز أن يخل بصنف منهم وقال أبو حنيفة يجوز أن يصرفها إلى أحد الأصناف الثمانية مع وجودهم ، ولا يجب أن يدفعها إلى جميعهم ، وفي تسوية الله تعالى بينهم في آية الصدقات ما يمنع من الاقتصار على بعضهم ، فواجب على عامل الصدقات بعد تكاملها ووجود جميع من سمي لها أن يقسمها على ثمانية أسهم بالتسوية فيدفع سهما منها إلى الفقراء والفقير هو الذي لا شيء له ثم يدفع السهم الثاني إلى المساكين والمسكين هو الذي له ما لا يكفيه فكان الفقير أسوأ حالا منه وقال أبو حنيفة المسكين أسوأ حالا من الفقير وهو الذي قد أسكنه العدم ، فيدفع إلى كل واحد منهما إذا اتسعت الزكاة ما يخرج به من اسم الفقر والمسكنة إلى أدنى مراتب الغنى وذلك معتبر بحسب حالهم فمنهم من يصير بالدينار الواحد غنيا إذا كان من أهل الأسواق يربح فيه قدر كفايته فلا يجوز أن يزاد عليه ، ومنهم من لا يستغني إلا بمائة دينار فيجوز أن يدفع إليه أكثر منه ومنهم من يكون ذا جلد يكتسب بصناعته قدر كفايته فلا يجوز أن يعطى وإن كان لا يملك درهما وقدر أبو حنيفة رضي الله عنه أكثر ما يعطاه الفقير والمسكين بما دون مائتي درهم من الورق وما دون عشرين دينارا من الذهب لئلا تجب عليه الزكاة فيما أخذ من الزكاة [ ص: 157 ]

ثم السهم الثالث سهم العاملين عليها وهم صنفان :

أحدهما : المقيمون بأخذها وجبايتها .

والثاني : المقيمون بقسمتها وتفريقها من أمين ومباشر متبوع وتابع ، جعل الله تعالى أجورهم في مال الزكاة لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها ، فيدفع إليهم من سهمهم قدر أجور أمثالهم ; فإن كان سهمهم منها أكثر رد الفضل على باقي السهام ، وإن كان أقل تممت أجورهم من مال الزكاة في أحد الوجهين ، ومن مال المصالح في الوجه الآخر .

والسهم الرابع المؤلفة قلوبهم وهم أربعة أصناف : صنف يتألفهم لمعونة المسلمين وصنف يتألفهم للكف عن المسلمين ، وصنف يتألفهم لرغبتهم في الإسلام ، وصنف لترغيب قومهم وعشائرهم في الإسلام ، فمن كان من هذه الأصناف الأربعة مسلما جاز أن يعطى من سهم المؤلفة من الزكاة ، ومن كان منهم مشركا عدل به عن مال الزكاة إلى سهم المصالح من الفيء والغنائم .

والسهم الخامس سهم الرقاب ، وهو عند الشافعي وأبي حنيفة مصروف في المكاتبين يدفع إليهم قدر ما يعتقون به وقال مالك يصرف في شراء عبيد يعتقون .

والسهم السادس : للغارمين ، وهم صنفان : صنف منهم استدانوا في مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم ، وصنف منهم استدانوا في مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر والغنى قدر ديونهم من غير فضل .

والسهم السابع سهم سبيل الله تعالى وهم الغزاة يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم في جهادهم ، فإن كانوا يرابطون في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم وما أمكن من نفقات مقامهم ، وإن كانوا يعودون إذا جاهدوا أعطوا نفقة ذهابهم وعودهم .

والسهم الثامن سهم ابن السبيل ، وهم المسافرون الذين لا يجدون نفقة سفرهم يدفع إليهم من سهمهم إذا لم يكن سفر معصية قدر كفايتهم في [ ص: 158 ] سفرهم وسواء من كان منهم مبتدئا بالسفر أو مجتازا وقال أبو حنيفة أدفعه إلى المجتاز دون المبتدئ بالسفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية