صفحة جزء
وإذا أراد الإمام أن يصل قوما لتعود صلاتهم بمصالح المسلمين كالرسل والمؤلفة جاز أن يصلهم من مال الفيء ; فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة يوم حنين فأعطى عيينة بن حصن الفزاري مائة بعير والأقرع بن حابس التميمي مائة بعير والعباس بن مرداس السلمي خمسين بعيرا فتسخطها وعتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ( من المتقارب ) :

كانت نهابا تلافيتها بكري على المهر في الأجرع      [ ص: 164 ] وإيقاظي القوم أن يرقدوا
إذا هجع القوم لم أهجع     فأصبح نهبي ونهب العبيد
بين عيينة والأقرع     وقد كنت في الحرب ذا قدرة
فلم أعط شيئا ولم أمنع     وإلا أقاتل أعطيتها
عديد قوائمها الأربع     فما كان حصن ولا حابس
يفوقان مرداسا في مجمع     ولا كنت دون امرئ منهما
ومن تضع اليوم لا يرفع

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب : " اذهب فاقطع عني لسانه " .

فلما ذهب به قال أتريد أن تقطع لساني ؟ قال : لا ، ولكن أعطيك حتى ترضى ، فأعطاه فكان ذلك قطع لسانه فأما إذا كانت صلة الإمام لا تعود بمصلحة على المسلمين وكان المقصود بها نفع المعطي خاصة كانت صلاتهم من ماله .

روي أن أعرابيا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال ( من السريع ) :

يا عمر الخير جزيت الجنه     اكس بنياتي وأمهنه
وكن لنا من الزمان جنه     أقسم بالله لتفعلنه

فقال عمر رضي الله عنه : إن لم أفعل يكون ماذا ؟ فقال :

إذا أبا حفص لأذهبنه

. فقال : وإذا ذهبت يكون ماذا ؟ فقال :

يكون عن حالي لتسألنه     يوم تكون الأعطيات هنه
وموقف المسئول بينهنه     إما إلى نار وإما جنه

قال فبكى عمر رضي الله عنه حتى خضبت لحيته وقال يا غلام أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره ، أنا والله لا أملك غيره .

فجعل ما وصل به من ماله لا من مال المسلمين ; لأن صلته لا تعود بنفع على غيره فخرجت من [ ص: 165 ] المصالح العامة ومثل هذا الأعرابي يكون من أهل الصدقة ، غير أن عمر رضي الله عنه لم يعطه منها إما لأجل شعره الذي استزله فيه ، وإما لأن الصدقة مصروفة في جيرانها ولم يكن منهم وكان مما نقمه الناس على عثمان رضي الله عنه أن جعل كل الصلات من مال الفيء ولم ير الفرق بين الأمرين

التالي السابق


الخدمات العلمية