صفحة جزء
ويجوز للخليفة أن يقلد وزيري تنفيذ على اجتماع وانفراد ، ولا يجوز أن يقلد وزيري تفويض على الاجتماع لعموم ولايتهما ، كما لا يجوز [ ص: 32 ] تقليد إمامين لأنهما ربما تعارضا في العقد والحل والتقليد والعزل وقد قال الله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } .

فإن قلد وزيري تفويض لم يخل حال تقليده لهما من ثلاثة أقسام : أحدها أن يفوض إلى كل واحد منهما عموم النظر ، فلا يصح لما قدمناه من دليل وتعليل وينظر في تقليدهما ، فإن كان في وقت واحد بطل تقليدهما معا ، وإن سبق أحدهما الآخر صح تقليد السابق وبطل تقليد المسبوق .

والفرق بين فساد التقليد والعزل أن فساد التقليد يمنع من نفوذ ما تقدم من نظره ، والعزل لا يمنع من نفوذ ما تقدم من نظره .

والقسم الثاني أن يشرك بينهما في النظر على اجتماعهما فيه ولا يجعل إلى واحد منهما أن ينفرد به فهذا يصح وتكون الوزارة بينهما لا في واحد منهما ، ولهما تنفيذ ما اتفق رأيهما عليه ، وليس لهما تنفيذ ما اختلفا فيه ويكون موقوفا على رأي الخليفة وخارجا عن نظر هذين الوزيرين ، وتكون هذه الوزارة قاصرة عن وزارة التفويض المطلقة من وجهين :

أحدهما اجتماعهما على تنفيذ ما اتفقا عليه .

والثاني زوال نظرهما عما اختلفا فيه ، فإن اتفقا بعد الاختلاف نظر ، فإن كان عن رأي اجتمعا على صوابه بعد اختلافهما فيه دخل في نظرهما وصح تنفيذه منهما ، لأن ما تقدم من الاختلاف لا يمنع من جواز الاتفاق ، وإن كان من متابعة أحدهما لصاحبه مع بقائهما على الرأي المختلف فيه فهو على خروجه من نظرهما لأنه لا يصح من الوزير تنفيذ ما لا يراه صوابا .

والقسم الثالث : أن لا يشرك بينهما في النظر ويفرد كل واحد منهما بما ليس فيه للآخر نظر ، وهذا يكون على أحد وجهين : إما أن يخص كل واحد منهما بعمل يكون فيه عام النظر خاص العمل مثل أن يرد إلى أحدهما وزارة بلاد المشرق وإلى الآخر وزارة بلاد المغرب ، وإما أن يخص كل واحد منهما بنظر يكون فيه عام العمل خاص النظر مثل أن يستوزر أحدهما على الحرب والآخر [ ص: 33 ] على الخراج فيصح التقليد على كلا الوجهين ، غير أنهما لا يكونان وزيري تفويض ويكونان واليين على عملين مختلفين ، لأن وزارة التفويض ما عمت ونفذ أمر الوزيرين بها في كل عمل وكل نظر ; ويكون تقليد كل واحد منهما مقصورا على ما خص به ، وليس له معارضة الآخر في نظره وعمله ويجوز للخليفة أن يقلد وزيرين : وزير تفويض ووزير تنفيذ فيكون وزير التفويض مطلق التصرف ووزير التنفيذ مقصورا على تنفيذ ما وردت به أوامر الخليفة .

ولا يجوز لوزير التنفيذ أن يولي معزولا ولا أن يعزل مولى ، ويجوز لوزير التفويض أن يولي المعزول ويعزل من ولاه ولا يعزل من ولاه الخليفة ، وليس لوزير التنفيذ أن يوقع عن نفسه ولا عن الخليفة إلا بأمره ويجوز لوزير التفويض أن يوقع عن نفسه إلى عماله وعمال الخليفة ويلزمهم قبول توقيعاته ; ولا يجوز أن يوقع عن الخليفة إلا بأمره في عموم أو خصوص ، وإذا عزل الخليفة وزير التنفيذ لم ينعزل به أحد من الولاة .

وإذا عزل وزير التفويض انعزل به عمال التنفيذ ولم ينعزل به عمال التفويض لأن عمال التنفيذ نياب وعمال التفويض ولاة ، ويجوز لوزير التفويض أن يستخلف نائبا عنه ، ولا يجوز لوزير التنفيذ أن يستخلف من ينوب عنه ، لأن الاستخلاف تقليد فصح من وزير التفويض ولم يصح من وزير التنفيذ ، وإذا نهى الخليفة وزير التفويض عن الاستخلاف لم يكن له أن يستخلف ، وإذا أذن لوزير التنفيذ في الاستخلاف جاز له أن يستخلف لأن كل واحد من الوزيرين يتصرف عن أمر الخليفة ونهيه وإن افترق حكمهما مع إطلاق التقليد .

وإذا فوض الخليفة تدبير الأقاليم إلى ولاتها ووكل النظر فيها إلى المستولين عليها كالذي عليه أهل زماننا جاز لمالك كل إقليم أن يستوزر ، وكان حكم وزيره معه كحكم وزير الخليفة مع الخليفة في اعتبار الوزارتين وأحكام النظرين

التالي السابق


الخدمات العلمية