صفحة جزء
[ ص: 42 - 43 ] والإمارة على الجهاد مختصرة بقتال المشركين . وهي على ضربين : أحدهما أن تكون مقصورة على سياسة الجيش وتدبير الحرب ; فيعتبر فيها شروط الإمارة الخاصة .

والضرب الثاني أن يفوض إلى الأمير فيها جميع أحكامها من قسم الغنائم وعقد الصلح ، فيعتبر فيها شروط الإمارة العامة ، وهي أكبر الولايات الخاصة أحكاما وأوفرها فصولا وأقساما ، وحكمها إذا خصت داخل في حكمها إذا عمت ، فاقتصرنا عليه إيجازا .

والذي يتعلق بها من الأحكام إذا عمت ستة أقسام :

القسم الأول في تسيير الجيش ، وعليه في السير بهم سبعة حقوق :

أحدها الرفق بهم في السير الذي يقدر عليه أضعفهم وتحفظ به قوة أقواهم ، ولا يجد السير فيهلك الضعيف ويستفرغ جلد القوي ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وشر السير الحقحقة } .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المضعف أمير الرفقة } يريد أن من ضعفت دابته كان على القوم أن يسيروا بسيره .

والثاني أن يتفقد خيلهم التي يجاهدون عليها وظهورهم التي يمتطونها ، فلا يدخل في خيل الجهاد ضخما كبيرا ولا ضرعا صغيرا ولا حطما كسيرا ولا أعجف زارحا هزيلا ، لأنها لا تقي وربما كان ضعفها وهنا ، ويتفقد ظهور الامتطاء [ ص: 44 ] والركوب ، فيخرج منها ما لا يقدر على السير ويمنع من حمل زيادة على طاقتها ، قال الله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ارتبطوا الخيل ، فإن ظهورها لكم عز ، وبطونها لكم كنز } .

والثالث : أن يراعي من معه من المقاتلة وهم صنفان : مسترزقة ومتطوعة ، فأما المسترزقة فهم أصحاب الديوان من أهل الفيء والجهاد ، يفرض لهم العطاء من بيت المال من الفيء بحسب الغنى والحاجة .

وأما المتطوعة فهم الخارجون عن الديوان من البوادي والأعراب وسكان القرى والأمصار الذين خرجوا في النفير الذي ندب الله تعالى إليه بقوله : { انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } . وفي قوله تعالى : { خفافا وثقالا } . أربعة تأويلات : أحدها شبانا وشيوخا قاله الحسن وعكرمة .

والثاني أغنياء وفقراء قاله أبو صالح .

والثالث : ركبانا ومشاة قاله أبو عمر .

والرابع : ذا عيال وغير ذي عيال قاله الفراء وهؤلاء يعطون من الصدقات دون الفيء من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور في آية الصدقات ، ولا يجوز أن يعطوا من الفيء لأن حقهم في الصدقات ولا يعطى أهل الفيء المسترزقة من الديوان من مال الصدقات ، لأن حقهم في الفيء ولكل واحد من الفريقين مال لا يجوز أن يشارك غيره فيه ، وجوز أبو حنيفة صرف كل واحد من المالين إلى كل واحد من الفريقين بحسب الحاجة ، وقد ميز الله تعالى بين الفريقين فلم يجز الجمع بين ما فرق .

والرابع أن يعرف على الفريقين العرفاء ، وينقل عليهما النقباء [ ص: 45 ] ليعرف من عرفائهم ونقبائهم أحوالهم ويقربون عليه إذا دعاهم ، { فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في مغازيه } وقال الله تعالى : { وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } .

وفيها ثلاثة تأويلات :

أحدها : أن للشعوب النسب الأقرب . والقبائل النسب الأبعد قاله مجاهد .

والثاني : أن الشعوب عرب قحطان ، والقبائل عرب عدنان .

والثالث : أن الشعوب بطون العجم ، والقبائل بطون العرب .

والخامس : أن يجعل لكل طائفة شعارا يتداعون به ليصيروا متميزين وبالاجتماع متظافرين .

روى عروة بن الزبير عن أبيه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله ، وشعار الأوس يا بني عبيد الله ، وسمى خيله خيل الله } .

والسادس : أن يتصفح الجيش ومن فيه ليخرج منهم من كان فيه تخذيل للمجاهدين وإرجاف للمسلمين أو عينا عليهم للمشركين . { فقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ابن سلول في بعض غزواته لتخذيله المسلمين } ، وقال تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } .

أي لا يفتن بعضكم بعضا .

والسابع : أن لا يمالئ من ناسبه أو وافق رأيه ومذهبه على من باينه في نسب أو خالفه في رأي ومذهب ، فيظهر من أحوال المباينة ما تفرق به الكلمة الجامعة تشاغلا بالتقاطع والاختلاف ، وقد أغضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنافقين وهم أضداد في الدين ، وأجرى عليهم حكم الظاهر حتى قويت بهم الشوكة وكثر بهم العدد وتكاملت بهم القوة ، ووكلهم فيما أضمرته قلوبهم من النفاق إلى علام الغيوب المؤاخذ بضمائر القلوب .

قال الله تعالى : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } [ ص: 46 ] وفيه تأويلان :

أحدهما أن المراد بالريح الدولة قاله أبو عبيد

والثاني : أن المراد بها القوة فضرب الريح بها مثلا لقوتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية