صفحة جزء
1864 12 باب الإحصار

118 \ 1784 - وعن أبي حاضر الحميري - وهو عثمان بن حاضر - قال: خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة ، وبعث معي رجال من قومي بهدي، فلما انتهينا إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم، فنحرت الهدي مكاني، ثم أحللت، ثم رجعت، فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي، فأتيت ابن عباس، فسألته؟ فقال: أبدل الهدي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء .

في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدم الكلام عليه. وقال البيهقي: ولعله إن [ ص: 366 ] صح الحديث استحب الإبدال وإن لم يكن واجبا، كما استحب الإتيان بالعمرة وإن لم يكن قضاء ما أحصر عنه واجبا بالتحلل. والله أعلم.

وإن صح حديث الحجاج بن عمرو فقد حمله بعض أهل العلم أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج بغير مرض، فقد روينا عن ابن عباس ثابتا عنه أنه قال: لا حصر إلا حصر عدو . تم كلامه.

وقال غيره: معنى حديث الحجاج بن عمرو أن تحلله بالكسر والعرج إذا كان قد اشترط ذلك في عقد الإحرام، على معنى حديث ضباعة. قالوا: ولو كان الكسر مبيحا للحل، لم يكن للاشتراط معنى. قالوا: وأيضا فلا يقول أحد بظاهر هذا الحديث، فإنه لا يحل بمجرد الكسر والعرج، فلا بد من تأويله، فيحمله على ما ذكرناه. قالوا: وأيضا فإنه لا يستفيد بالحل زوال عذره، ولا الانتقال من حاله، بخلاف المحصر بالعدو.

وقوله: "وعليه الحج من قابل" هذا إذا لم يكن حج الفرض، فأما إن كان متطوعا، فلا شيء عليه غير هدي الإحصار. قال البيهقي : وحديث الحجاج بن عمرو قد اختلف في إسناده، والثابت عن ابن عباس خلافه، وأنه لا حصر إلا حصر العدو. تم كلامه .


قال ابن القيم رحمه الله: اختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم فيمن منع من الوصول إلى البيت بمرض أو كسر أو عرج هل حكمه حكم المحصر [ ص: 367 ] بالعدو في جواز التحلل؟ فروي عن ابن عباس وابن عمر ومروان بن الحكم: أنه لا يحله إلا الطواف بالبيت، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأحمد في المشهور من مذهبه .

وروي عن ابن مسعود أنه كالمحصر بالعدو، وهو قول عطاء والثوري وأبي حنيفة وأصحابه، وإبراهيم النخعي وأبي ثور وأحمد في الرواية الأخرى عنه.

ومن حجة هؤلاء: حديث الحجاج وأبي هريرة وابن عباس. قالوا: وهو حديث حسن يحتج بمثله.

قالوا: وأيضا ظاهر القرآن بل صريحه يدل على أن الحصر يكون بالمرض، فإن لفظ الإحصار إنما هو للمرض، يقال: أحصره المرض وحصره العدو، فيكون لفظ الآية صريحا في المريض، وحصر العدو ملحق به، فكيف يثبت الحكم في الفرع دون الأصل؟

قال الخليل وغيره: حصرت الرجل حصرا منعته وحبسته، وأحصر عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه.

قالوا: وعلى هذا خرج قول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو ، [ ص: 368 ] ولم يقل: لا إحصار إلا إحصار العدو. فليس بين رأيه وروايته تعارض، ولو قدر تعارضهما فالأخذ بروايته دون رأيه، لأن روايته حجة ورأيه ليس بحجة.

قالوا: وقولكم: لو كان يحل بالحصر لم يكن للاشتراط معنى. جوابه من وجهين:

أحدهما: أنكم لا تقولون بالاشتراط ولا يفيد الشرط عندكم شيئا. فلا يحل عندكم بشرط ولا بدونه، فالحديثان معا حجة عليكم، وأما نحن فعندنا أنه يستفيد بالشرط فائدتين:

إحداهما: جواز الإحلال، والثانية: سقوط الدم، فإذا لم يكن شرط استفاد بالعذر الإحلال وحده، وثبت وجوب الدم عليه، فتأثير الاشتراط في سقوط الدم.

وأما قولكم: إن معناه أنه يحل بعد فواته بما يحل به من يفوته الحج لغير مرض، ففي غاية الضعف، فإنه لا تأثير للكسر ولا للعرج في ذلك، فإن المفوت يحل صحيحا كان أو مريضا.

وأيضا: فإن هذا يتضمن تعليق الحكم بوصف لم يعتبره النص، وإلغاء الوصف الذي اعتبره، وهذا غير جائز.

وأما قولكم: "إنه يحمل على الحل بالشرط"، فالشرط إما أن يكون له تأثر في الحل عندكم، أو لا تأثير له، فإن كان مؤثرا في الحل لم يكن الكسر والعرج هو السبب الذي علق الحكم به، وهو خلاف النص، وإن لم يكن له تأثير في الحل بطل حمل الحديث عليه.

[ ص: 369 ] قالوا: وأما قولكم "إنه لا يقول أحد بظاهره" فإن ظاهره أنه بمجرد الكسر والعرج يحل.

فجوابه: أن المعنى: فقد صار ممن يجوز له الحل، بعد أن كان ممنوعا منه، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا، فقد أفطر الصائم وليس المراد به أنه أفطر حكما، وإن لم يباشر المفطرات، بدليل إذنه لأصحابه في الوصال إلى السحر، ولو أفطروا حكما لاستحال منهم الوصال، ولقوله تعالى: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإذا نكحت زوجا آخر حلت، لا بمجرد نكاح الثاني، بل لا بد من مفارقته، وانقضاء العدة، وعقد الأول عليها.

قالوا: وأما قولكم: "إنه لا يستفيد بالإحلال الانتقال من حاله التي هو عليها ولا التخلص من أذاه، بخلاف من حصره العدو فكلام لا معنى تحته، فإنه قد يستفيد بحله أكثر مما يستفيد المحصر بالعدو، فإنه إذا بقي ممنوعا من اللباس وتغطية الرأس والطيب مع مرضه، تضرر بذلك أعظم الضرر في الحر والبرد، ومعلوم أنه قد يستفيد بحله من الترفه ما يكون سبب زوال أذاه، كما يستفيد المحصر بالعدو بحله، ولا فرق بينهما، فلو لم يأت نص بحل المحصر بمرض لكان القياس على المحصر بالعدو يقتضيه، فكيف وظاهر القرآن والسنة والقياس يدل عليه؟ والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية