صفحة جزء
1929 17 - باب الصلاة بجمع

124 \ 1845 - وعن عبد الله بن مالك قال : صليت مع ابن عمر المغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين، فقال له مالك بن الحارث : ما هذه الصلاة؟ قال : صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان بإقامة واحدة .

وأخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وذهب سفيان الثوري وجماعة إلى أنه يصليهما بإقامة واحدة لهما، كلما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر .


قال ابن القيم رحمه الله: قال ابن عبد البر: وهو محفوظ من روايات الثقات: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة .

قلت: وقد ثبت ذلك عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلاتين بالمزدلفة بإقامة واحدة . وقال مالك: صلاهما بأذانين وإقامتين، وهو [ ص: 382 ] مذهب ابن مسعود. وفي "صحيح البخاري" من حديث ابن مسعود أنه صلى صلاتين كل واحدة وحدها بأذان وإقامة . قال ابن المنذر: وروى هذا عمر رضي الله عنه.

قال ابن عبد البر: ولا أعلم في ذلك حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه، ولكنه روى عن عمر بن الخطاب أنه صلاهما بالمزدلفة كذلك.

ومذهب إسحاق وسالم والقاسم: أنه يصليهما بإقامتين فقط وحجتهم حديث ابن عمر المتقدم، وهو رواية عن أحمد، ومذهب أحمد والشافعي في الأصح عنه وأبي ثور وعبد الملك الماجشون والطحاوي: أنه يصليهما بأذان واحد وإقامتين.

وحجتهم: حديث جابر الطويل.

وقد تكلف قوم الجمع بين هذه الأحاديث بضروب من التكلف.

وعن ابن عمر في ذلك ثلاث روايات. إحداهن: أنه جمع بينهما بإقامتين فقط، والثانية: أنه جمع بينهما بإقامة واحدة لهما، وقد ذكر أبو داود الروايتين، والثالثة: أنه صلاهما بلا أذان ولا إقامة، ذكر ذلك البغوي: حدثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن أنس بن سيرين قال: وقفت مع ابن عمر بعرفة، وكان يكثر أن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فلما أفضنا من عرفة دخل [ ص: 383 ] الشعب فتوضأ، ثم جاء إلى جمع فعرض راحلته، ثم قال: الصلاة، فصلى المغرب، ولم يؤذن ولم يقم، ثم سلم، ثم قال الصلاة، ثم صلى العشاء، ولم يؤذن ولم يقم .

والصحيح في ذلك كله: الأخذ بحديث جابر، وهو الجمع بينهما بأذان وإقامتين لوجهين اثنين:

أحدهما: أن الأحاديث سواه مضطربة مختلفة؛ فهذا حديث ابن عمر في غاية الاضطراب، كما تقدم، فروي عن ابن عمر من فعله الجمع بينهما بلا أذان ولا إقامة، وروي عنه الجمع بينهما بإقامة واحدة، وروي عنه الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة، وروي عنه مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: الجمع بينهما بإقامة واحدة، وروي عنه مرفوعا الجمع بينهما بإقامتين، وعنه أيضا مرفوعا: الجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة لهما، وعنه مرفوعا الجمع بينهما دون ذكر أذان ولا إقامة، وهذه الروايات صحيحة عنه، فيسقط الأخذ بها، لاختلافها واضطرابها.

وأما حديث ابن مسعود فإنه موقوف عليه فعله.

وأما حديث ابن عباس فغايته: أن يكون شهادة على نفي الأذان والإقامة الثانية، ومن أثبتهما فمعه زيادة علم، وقد شهد على أمر ثابت عاينه وسمعه.

[ ص: 384 ] وأما حديث أسامة فليس فيه إلا بيان تعدد الإقامة لهما، وسكت عن الأذان، وليس سكوته عنه مقدما على حديث من أثبته سماعا صريحا، بل لو نفاه جملة لقدم عليه حديث من أثبته، لتضمنه زيادة علم خفيت على النافي.

الوجه الثاني: أنه قد صح من حديث جابر في جمعه صلى الله عليه وسلم بعرفة: أنه جمع بينهما بأذان وإقامتين، ولم يأت في حديث ثابت قط خلافه، والجمع بين الصلاتين بمزدلفة كالجمع بينهما بعرفة، لا يفترقان إلا في التقديم والتأخير، فلو فرضنا تدافع أحاديث الجمع بمزدلفة جملة لأخذنا حكم الجمع من جمع عرفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية