صفحة جزء
2171 24 - باب ما جاء في العزل

165 \ 2085 - وعن رفاعة، عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا قال يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موؤدة صغرى؟ قال : كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه .

اختلف على يحيى بن أبي كثير فيه، فقيل فيه: عنه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله، مختصرا بمعناه، وأخرجه الترمذي والنسائي من حديثه. وقيل فيه: عن رفاعة، كما ذكرناه. وقيل: عن أبي مطيع عن [ ص: 473 ] رفاعة. وقيل فيه: عن أبي رفاعة.

قد أخرج مسلم في "صحيحه " من رواية جذامة بنت وهب قالت: ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي" قال بعضهم: جعل العزل عن المرأة بمنزلة الوأد إلا أنه خفي، لأن من يعزل عن امرأته إنما يعزل هربا من الولد، ولذلك سماه الموؤدة الصغرى، لأن وأد الأحياء الموءودة الكبرى.

وقد اختلف السلف في العزل، فاختاره جماعة منهم. قال الشافعي رضي الله عنه: ونحن نروي عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أرخصوا في ذلك ولم يروا به بأسا.

قال البيهقي: وقد روينا الرخصة فيه من الصحابة، عن سعد بن أبى وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وابن عباس وغيرهم.

وذكر غيره أنه روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وخباب بن الأرت وجابر بن عبد الله. ومن التابعين: سعيد بن المسيب وطاوس ومالك والشافعي والكوفيون وجمهور العلماء، واحتجوا بالأحاديث التي جاءت في ذلك.

وكرهت طائفة العزل، روي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعن علي رواية أخرى، وعن ابن مسعود وابن عمر.

وذكر بعضهم أن حجة القائلين بالكراهة حديث جذامة. وقال غيره: يشبه أن يكون حديث جذامة على طريق التنزيه ، وضعف حديث جذامة. وقال: كيف يصح أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كذبهم في ذلك ثم يخبرهم به كخبرهم، وفيما قاله نظر، فإن الحديث في تكذيبه صلى الله عليه وسلم اليهود فيه اضطراب، وحديث جذامة في "الصحيح "، ثم من أين يتحقق له تقديم أحد الحديثين على الآخر؟ ويمكن أن يجمع بينهما بأن اليهود كانت تقول: العزل لا يكون معه حمل أصلا، فكذبهم صلى الله عليه وسلم في ذلك. ويدل [ ص: 474 ] عليه قوله صلى الله عليه وسلم بعد تكذيبهم: لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه .


قال ابن القيم رحمه الله: فاليهود ظنت أن العزل بمنزلة الوأد في إعدام ما انعقد سبب خلقه، فكذبهم في ذلك، وأخبر أنه لو أراد الله خلقه ما صرفه أحد.

وأما تسميته "وأدا خفيا" فلأن الرجل إنما يعزل، عن امرأته هربا من الولد وحرصا على أن لا يكون، فجرى قصده ونيته وحرصه على ذلك مجرى من أعدم الولد بوأده، لكن ذاك وأد ظاهر باشره العبد فعلا وقصدا، وهذا وأد خفي ، إنما أراده ونواه عزما ونية، فكان خفيا.

وقد روى الشافعي تعليقا، عن سليمان التيمي، عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن مسعود في العزل، قال: " هو الوأد الخفي ".

وقد اختلف السلف والخلف في العزل: فقال الشافعي : ونحن نروي عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رخصوا في ذلك ولم يروا به بأسا.

قال البيهقي: وروينا الرخصة فيه من الصحابة، عن سعد بن أبي [ ص: 475 ] وقاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وغيرهم.

وذكر غيره: أنه روي عن علي، وخباب بن الأرت، وجابر بن عبد الله، والمعروف عن علي وابن مسعود كراهته.

قال البيهقي: ورويت عنهما الرخصة ورويت الرخصة من التابعين، عن سعيد بن المسيب وطاوس، وبه قال مالك والشافعي، وأبو حنيفة وأصحابه.

وألزمهم الشافعي المنع منه، فروي عن علي وعبد الله بن مسعود المنع منه ثم قال: وليسوا يأخذون بهذا، ولا يرون بالعزل بأسا، ذكر ذلك فيما خالف فيه العراقيون عليا وعبد الله.

وأما قول الإمام أحمد فيه فأكثر نصوصه أن له أن يعزل، عن سريته، وأما زوجته فإن كانت حرة لم يعزل عنها إلا بإذنها، وإن كانت أمة لم يعزل إلا بإذن سيدها.

ورويت كراهة العزل، عن عمر بن الخطاب، ورويت، عن أبي بكر الصديق، وعن علي وابن مسعود في المشهور عنهما، وعن ابن عمر.

وقالت طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم: يحرم كل عزل وقال بعض [ ص: 476 ] أصحابه: يباح مطلقا.

وقد روى مسلم في صحيحه، عن سعد بن أبي وقاص: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعزل عن امرأتي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك ؟، فقال الرجل: أشفق على ولدها أو على أولادها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان ذلك ضارا أحدا ضر فارس والروم .

وفي "الصحيحين" من حديث جابر: "كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئا ينهى عنه لنهى عنه القرآن".

وفي "صحيح مسلم "عنه في هذا الحديث: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا .

وفي "الصحيحين" من حديث أبي سعيد قال: ذكر العزل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وما ذاكم ؟ قالوا: الرجل تكون له المرأة ترضع، فيصيب منها، ويكره أن تحمل منه ؟ [الرجل تكون له الأمة ، فيصيب منها، ويكره أن تحمل منه]، قال: فلا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم، فإنما هو القدر ، قال ابن عون: فحدثت به الحسن فقال: والله لكأن هذا زجر.

[ ص: 477 ] وفي لفظ في "الصحيحين": قال محمد بن سيرين: قوله " لا عليكم " أقرب إلى النهي. ووجه ذلك - والله أعلم - أنه إنما نفي الحرج عن عدم الفعل فقال لا عليكم أن لا تفعلوا يعني في أن لا تفعلوا، وهو يدل بمفهومه على ثبوت الحرج في الفعل، فإنه لو أراد نفي الحرج، عن الفعل لقال: لا عليكم أن تفعلوا.

والحكم بزيادة " لا " خلاف الأصل، فلهذا فهم الحسن وابن سيرين من الحديث الزجر. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية