صفحة جزء
145 9 - باب تخليل اللحية

14 \ 132 - عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي .


قال ابن القيم رحمه الله: قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا، لأنه من طريق الوليد بن زوران، وهو مجهول، وكذلك أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال وفي هذا التعليل نظر، فإن الوليد [ ص: 96 ] هذا روى عنه جعفر بن برقان، وحجاج بن منهال، وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي وغيرهم، ولم يعلم فيه جرح.

وقد روى هذا الحديث محمد بن يحيى الذهلي في كتاب علل حديث الزهري، فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله - وكان صدوقا - حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته فخللها بأصابعه، ثم قال: هكذا أمرني ربي عز وجل . وهذا إسناد صحيح.

وفي الباب حديث عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته ، رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، وأبو عبد الله الحاكم، وقال أحمد: هو أحسن شيء في الباب، وقال: قال محمد بن إسماعيل البخاري: "أصح شيء في هذا الباب: حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل، عن عثمان" . يريد هذا الحديث.

وقد أعله ابن حزم، فقال: هو من طريق إسرائيل، وليس بالقوي، عن [ ص: 97 ] عامر بن شقيق، وليس مشهورا بقوة النقل. وقال في موضع آخر: عامر بن شقيق ضعيف.

وهذا تعليل باطل، فإن إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق، احتج به الشيخان وبقية الستة، ووثقه الأئمة الكبار. وقال فيه أبو حاتم: ثقة متقن من أتقن أصحاب أبي إسحاق، ووثقه ابن معين وأحمد، وكان يتعجب من حفظه. والذي غر أبا محمد قول أحمد في رواية ابنه صالح: إسرائيل عن أبي إسحاق: فيه لين، سمع منه بأخرة. وهذا الحديث ليس من روايته عن أبي إسحاق، فلا يحتاج إلى جواب.

وأما عامر بن شقيق فقال النسائي: ليس به بأس، وروي عن ابن معين تضعيفه، روى له أهل " السنن" الأربعة.

وفي الباب حديث عائشة، رواه أبو عبيد، عن حجاج، عن شعبة، عن عمرو بن أبي وهب الخزاعي، عن موسى بن ثروان العجلي، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل [ ص: 98 ] لحيته .

وفي الباب حديث عمار بن ياسر، رواه الطبراني عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم، عن حسان بن بلال: أن عمار بن ياسر توضأ، فخلل لحيته، فقيل له: ما هذا ؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته .

وقد أعله ابن حزم بعلتين:

إحداهما أنه قال: حسان بن بلال مجهول.

والثانية قال: لا نعرف له لقاء لعمار بن ياسر.

فأما العلة الأولى: فإن حسان روى عنه أبو قلابة، وجعفر بن أبي وحشية، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، ومطر الوراق، وابن أبي المخارق، وغيرهم، وروى له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال علي بن المديني: كان ثقة. ولم يحفظ فيه تضعيف لأحد.

[ ص: 99 ] وأما العلة الثانية: فباطلة أيضا. فإن الترمذي رواه من طريقين إلى حسان، أحدهما عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان، عن عمار. والثاني عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حسان قال: رأيت عمارا توضأ فخلل لحيته، وفيه: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته .

وعلة هذا الحديث المؤثرة: هي ما قاله الإمام أحمد في رواية ابن منصور عنه، قال: قال ابن عيينة: لم يسمع عبد الكريم من حسان بن بلال حديث التخليل.

قال الترمذي: سمعت إسحاق بن منصور يقول: سمعت أحمد بن حنبل فذكره. وذكر الحافظ ابن عساكر عن البخاري مثل ذلك، وقال الإمام أحمد: لا يثبت في تخليل اللحية حديث.

وفي الباب حديث ابن أبي أوفى، رواه أبو عبيد، عن مروان بن معاوية، عن أبي الورقاء عنه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته .

[ ص: 100 ] وفيه حديث أبي أيوب، رواه أبو عبيد، عن محمد بن ربيعة، عن واصل بن السائب الرقاشي، عن أبي سورة، عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته .

قلت: وتصحيح ابن القطان لحديث أنس من طريق الذهلي فيه نظر، فإن الذهلي أعله، فقال: وثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي: أنه بلغه عن أنس بن مالك فذكره .

قال الذهلي: هذا هو المحفوظ، قال ابن القطان: وهذا لا يضره، فإنه ليس من لم يحفظ حجة على من حفظ. والصفار قد عين شيخ الزبيدي فيه، وبين أنه الزهري، حتى لو قلنا: إن محمد بن حرب حدث به تارة فقال فيه: "عن الزبيدي، بلغني عن أنس"، لم يضره ذلك، فقد يراجع كتابه فيعرف منه أن الذي حدثه به الزهري، فيحدث به عنه، فأخذه عن الصفار هكذا.

وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات.

ولهذا الحديث طريق أخرى، رواه الطبراني في المعجم الكبير من [ ص: 101 ] حديث أبي حفص العبدي عن ثابت عن أنس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فذكره كما تقدم. وأبو حفص وثقه أحمد وقال: لا أعلم إلا خيرا، ووثقه ابن معين، وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: ثقة وفوق الثقة. فهذه ثلاث طرق حسنة.

وذكر الحاكم في المستدرك حديث عثمان في ذلك، ثم قال: "وله شاهد صحيح من حديث أنس". ورواه ابن ماجه في سننه من حديث يحيى بن كثير أبي النضر، عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته وفرج أصابعه مرتين .

قال الدارقطني: أبو النضر هذا متروك. وقال النسائي: يزيد الرقاشي [ ص: 102 ] متروك.

ورواه ابن عدي من حديث هاشم بن سعد، عن محمد بن زياد، عن أنس مرفوعا، ثم قال ابن عدي: وهاشم هذا مقدار ما يرويه لا يتابع عليه.

ورواه البيهقي في "السنن" من حديث إبراهيم الصائغ، عن أبي خالد، عن أنس مرفوعا، وأبو خالد هذا مجهول.

فهذه ثلاث طرق ضيقة، والثلاثة الأول أقوى منها.

وأما حديث عمار، فقد تقدم تعليل أحمد والبخاري له من طريق عبد الكريم. وأما طريق ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن حسان، فقال ابن أبي حاتم في كتاب "العلل": سألت أبي عن حديث رواه ابن عيينة، عن سعيد بن أبي عروبة، فذكره؟ فقال أبي: لم يحدث بهذا أحد سوى ابن عيينة، عن ابن أبي عروبة، قلت: هو صحيح؟ قال: لو كان صحيحا لكان في مصنفات ابن أبي عروبة، ولم يصرح فيه ابن عيينة بالتحديث، وهذا مما يوهنه. يريد بذلك أنه لعله دلسه.

قلت: وقد سئل الإمام أحمد عن هذا الحديث؟ فقال: إما أن يكون [ ص: 103 ] الحميدي اختلط، وإما أن يكون من حدث عنه خلط. ولكن متابعة ابن أبي عمر له ترفع هذه العهدة. والله أعلم.

وقد رويت أحاديث التخليل من حديث عثمان، وعلي، وأنس، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وأم سلمة، وعمار بن ياسر، وأبي أيوب، وابن أبي أوفى، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله، وجرير بن عبد الله البجلي، رضي الله عنهم. ولكن قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: ليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحليل شيء. وقال الخلال في كتاب "العلل": أنا أبو داود قال: قلت لأحمد: تخليل اللحية؟ قال: قد روي فيه أحاديث ليس يثبت منها حديث، وأحسن شيء فيها حديث شقيق، عن عثمان.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل": سمعت أبي يقول: لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية حديث.

قلت: وحديث ابن عباس من رواية نافع مولى يوسف السلمي، قال [ ص: 104 ] العقيلي. لا يتابع عليه، منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث.

وحديث ابن عمر، رواه الدارقطني، وقال: الصواب أنه موقوف على ابن عمر. وكذلك قال عبد الحق: الصحيح أنه من فعل ابن عمر، غير مرفوع.

وله علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه، وهي: أن الوليد بن مسلم حدث به الأوزاعي مرسلا، وعبد الحميد رفعه عنه. والصواب رواية أبي المغيرة عنه موقوفا.

وذكرها الخلال في كتاب "العلل" عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفا. ثم حكى عن جعفر بن محمد أنه قال: قال أحمد: ليس في التخليل أصح من هذا، يعني الموقوف.

[ ص: 105 ] وأما حديث أبي أيوب، فذكره الترمذي في كتاب "العلل"، وقال سألت محمدا عنه؟ فقال: لا شيء. فقلت: أبو سورة ما اسمه؟ فقال: ما أدري ما يصنع به؟ عنده مناكير، ولا يعرف له سماع من أبي أيوب.

ورواه ابن ماجه في "سننه" من حديث ابن أبي أوفى، وراويه فائد أبو الورقاء، وهو متروك باتفاقهم.

وحديث أبي أمامة رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" من حديث أبي غالب عن أبي أمامة. وأبو غالب ضعفه النسائي ووثقه الدارقطني. وقال ابن معين: صالح الحديث. وصحح له الترمذي.

[ ص: 106 ] وحديث جابر ضعيف جدا.

وحديث جرير ذكره ابن عدي من حديث ياسين الزيات، عن ربعي بن حراش، عن جرير، مرفوعا. وياسين متروك عند النسائي والجماعة.

وحديث عائشة رواه أحمد في مسنده.

وحديث أم سلمة ذكره الترمذي في كتابه معلقا فقال: وفي الباب عن أم سلمة، وذكر جماعة من الصحابة.

التالي السابق


الخدمات العلمية