صفحة جزء
2392 233 \ 2287 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان بهذا الحديث، قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا، وقال فيه: "كله أنت وأهل بيتك، وصم يوما واستغفر الله "


قال ابن القيم رحمه الله: هذه الزيادة، وهي الأمر بالصوم، قد طعن فيها غير واحد من الحفاظ، قال عبد الحق: وطريق حديث مسلم أصح وأشهر، وليس فيها "صم يوما"، ولا مكيلة التمر، ولا الاستغفار، وإنما يصح حديث القضاء مرسلا، وكذلك ذكره مالك في "الموطأ" ، وهو من مراسيل سعيد بن المسيب.

رواه مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بالقصة، وقال: "كله، وصم يوما مكان ما أصبت ".

والذي أنكره الحفاظ ذكر هذه اللفظة في حديث الزهري، فإن أصحابه الأثبات الثقات، كيونس، وعقيل، ومالك، والليث بن سعد، وشعيب، [ ص: 79 ] ومعمر، وعبد الرحمن بن خالد لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة.

وإنما ذكرها الضعفاء عنه، كهشام بن سعد وصالح بن أبي الأخضر وأضرا بهما.

وقال الدارقطني: رواتها ثقات، رواه ابن أبي أويس [عن أبيه]، عن الزهري، وتابعه عبد الجبار بن عمر عنه، وتابعه أيضا هشام بن سعد عنه، قال: وكلهم ثقات.

وهذا لا يفيد صحة هذه اللفظة، فإن هؤلاء إنما هم أربعة، وقد خالفهم

[ ص: 80 ] من هو أوثق منهم وأكثر عددا، وهم أربعون نفسا، لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، ولا ريب أن التعليل بدون هذا يؤثر في صحتها. ولو انفرد بهذه اللفظة من هو أحفظ منهم وأوثق، وخالفهم هذا العدد الكثير، لوجب التوقف فيها، وثقة الراوي شرط في صحة الحديث لا موجبة، بل لا بد من انتفاء العلة والشذوذ، وهما غير منتفيين في هذه اللفظة.

وقد اختلف الفقهاء في وجوب القضاء عليه، فمذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والشافعي في أظهر أقواله: يجب عليه القضاء.

وللشافعي قول آخر: إنه لا يجب عليه القضاء إذا كفر.

وله قول ثالث: إنه إن كفر بالصيام فلا قضاء عليه، وإن كفر بالعتق أو بالإطعام قضى، وهذا قول الأوزاعي.

قال المنذري: روي في بعض طرقه: "هلكت وأهلكت " واستدل به [ ص: 81 ] بعضهم على مشاركة المرأة إياه في الجناية.

قال الخطابي: وهذه اللفظة غير موجودة في شيء من رواية هذا الحديث، وأصحاب سفيان لم يرووها عنه، وإنما ذكروا قوله: " هلكت " حسب، غير أن بعض أصحابنا حدثني أن المعلى بن منصور روى هذا الحديث عن سفيان، فذكر هذا الحرف فيه، وهو غير محفوظ، والمعلى ليس بذاك في الحفظ والإتقان.

قال ابن القيم رحمه الله: قال البيهقي: قوله " وأهلكت " ليس بمحفوظ، وضعفها شيخنا أبو عبد الله الحافظ، وحملها على أنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني، قال: فإن أبا علي الحافظ رواه عن محمد بن المسيب فلم يذكرها، والعباس بن الوليد رواه عن عقبة بن علقمة دونها، ودحيم وغيره رووه عن الوليد بن مسلم دونها، وكافة أصحاب الأوزاعي رووه عنه دونها، ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري، إلا ما روي عن أبي ثور عن معلى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزهري

قال: وكان أبو عبد الله أيضا يستدل على كونها في تلك الرواية خطأ بأنه [ ص: 82 ] نظر في كتاب الصوم تصنيف معلى بن منصور بخط مشهور، فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وبأن كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها.

ثم قال ابن القيم رحمه الله: وقد روى مالك هذا الحديث في الموطأ عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة: " أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " ثم ذكر الحديث.

وحسبك بهذا الإسناد.

وفيه أمران: أحدهما: وجوب الكفارة بأي مفطر كان.

والثاني: أنها على التخيير.

وهو مذهب مالك في المسألتين.

قال البيهقي: ورواية الجماعة عن الزهري مقيدة بالوطء، ناقلة للفظ صاحب الشرع، فهي أولى بالقبول، لزيادة حفظهم، وأدائهم الحديث على وجهه، واتفقت رواياتهم على أن فطره كان بجماع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالكفارة على اللفظ الذي يقتضي الترتيب.

وقال أبو الحسن الدارقطني: الذين رووا الكفارة في جماع رمضان على التخيير: مالك في الموطأ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، وعبد الله بن أبي بكر، وأبو أويس، وفليح بن سليمان، وعمر بن عثمان [ ص: 83 ] المخزومي ويزيد بن عياض، وشبل بن عباد، والليث بن سعد من رواية أشهب بن عبد العزيز عنه، [وابن عيينة من رواية نعيم بن حماد عنه، وإبراهيم بن سعد من رواية عمار بن مطر عنه]، وعبيد الله بن أبي زياد، إلا أنه أرسل عن الزهري.

كل هؤلاء رووه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، " أن رجلا أفطر في رمضان "، وجعلوا كفارته على التخيير.

قال: وخالفهم أكثر عددا منهم، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد، أن إفطار الرجل كان بجماع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يكفر بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، منهم عراك بن مالك وعبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية، ومحمد بن أبي عتيق، وموسى بن عقبة، ومعمر، ويونس، وعقيل، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، والأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، ومنصور بن المعتمر، وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، والليث بن سعد، وعبد الله بن عيسى، ومحمد بن إسحاق، والنعمان بن راشد، وحجاج بن أرطاة، وصالح بن أبي الأخضر، ومحمد بن أبي حفصة، وعبد الجبار بن عمر، وإسحاق بن يحيى العوصي، وهبار بن عقيل، وثابت بن ثوبان [ ص: 84 ] وقرة بن عبد الرحمن، وزمعة بن صالح، وبحر السقاء، والوليد بن محمد، وشعيب بن خالد، ونوح بن أبي مريم وغيرهم.

آخر كلامه.

ولا ريب أن الزهري حدث به هكذا وهكذا على الوجهين، وكلاهما محفوظ عنه بلا ريب، وإذا كان هكذا فرواية الترتيب المصرحة بذكر الجماع أولى أن يؤخذ بها لوجوه:

أحدها: أن رواتها أكثر، وإذا قدر التعارض رجح برواية الأكثر اتفاقا، وفي الشهادة بخلاف معروف.

الثاني: أن رواتها حكوا القصة، وساقوا ذكر المفطر وأنه الجماع، وحكوا لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما رواة التخيير فلم يفسروا بماذا أفطر؟ ولا حكوا أن ذلك لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من لفظ صاحب القصة، ولا حكوا أيضا لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارة، فكيف تقدم روايتهم على رواية من ذكر لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الترتيب، ولفظ الراوي في خبره عن نفسه، بقوله: " وقعت على أهلي في رمضان " ؟ !

الثالث: أن هذا صريح، وقوله " أفطر " مجمل لم يذكر فيه بماذا أفطر، وقد فسرته الرواية الأخرى بأن فطره كان بجماع، فتعين الأخذ به.

الرابع: أن حرف " أو " وإن كان ظاهرا في التخيير، فليس بنص فيه، وقوله: هل تستطيع كذا ؟ هل تستطيع كذا ؟ صريح في الترتيب، فإنه لم [ ص: 85 ] يجوز له الانتقال إلى الثاني إلا بعد إخباره بعجزه عما قبله، مع أنه صريح لفظ صاحب الشرع.

وقوله: " فأمره أن يعتق رقبة، أو يصوم " لم يحك فيه لفظه.

الخامس: أن الأخذ بحديث الترتيب متضمن العمل بالحديث الآخر؛ لأنه يفسره ويبين المراد منه، والعمل بحديث التخيير لا يتضمن حديث الترتيب، ولا ريب أن العمل بالنصين أولى.

السادس: أنا قد رأينا صاحب الشرع جعل نظير هذه الكفارة سواء على الترتيب، وهي كفارة الظهار، وحكم النظير حكم نظيره.

ولا ريب أن إلحاق كفارة الجماع في رمضان بكفارة الظهار وكفارة القتل أولى وأشبه من إلحاقها بكفارة اليمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية